(ثُمَّ) قلنا بمعنى: الواو؛ لأنه ليس تراخي بينهما، إلا إذا أُريد بأن (هَيَا) فرعُ (أَيَا)، قيل: ليست أصلية بل هي فرعُ (أيا)، (هَيَا) قيل: هي فرعُ (أيا) بإبدال الهمزة هاء، أيا هيا أُبدِلَت الهمزةُ هاء، والهمز والهاء بينهما علاقة، كلٌ منهما يُمَرُّ على الثاني، يعني: الهمزة تُبدَلُ هاء: أريقُوا هريقُوا (أيا هيا) إذاً: كلٌ منهما يُبْدَل إلى الآخر هذا قولٌ، وقيل: أصلٌ (هَيَا) هكذا نُطِقَ بها، ليست مبدلةً الهاء هنا من الهمزة.
فليست هاؤها بدلاً من همزةِ (أيا)، لماذا؟ قال: لأن الإبدال نوعٌ من التصريف، والتصريف لا يدخل الحروف وإنما يدخل الأسماء المتَمَكِّنة والفعل، حينئذٍ إذا قيل: بأن الهمزة أُبدِلتَ هاءً هذا نوع تصريف لأنه بدل، والإبدال سيأتي باب خاصٌ به، حينئذٍ كيف يقع البدل في الحرف؟ وسيأتي أن الحرف بريءٌ من الصرف كليةً، يعني: لا يدخل فيه الصرف بكلية.
قيل: الإبدال هنا لغوي لا تصريفي. ولزيادة أحرُفِهما يعني: (أَيَا) و (هَيَا) كان فيهما دلالةٌ على زيادة بُعدِ منَاداهُما عن مُنَادى (يا) هكذا قيل، وإلا ابن مالك أوردها في موردٍ واحدٍ.
(وَأَي وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا)، من حروف نداء البعيد: (أي .. آي) يعني: بالمد، ولذلك ابن هشامٍ قال: " الهمزة وأي ممدودتين ومقصورتين"، الهمزة: أزيد أقبل .. آزيد أقبل .. أي زيد أقبل .. آي زيد أقبل، بالمد والقصر وهي أربعة، والهمزة إذا مُدَّتْ حينئذٍ صارت لنداءِ البعيد؛ لأن مد الصوت يُنَاسبهُ أن يكون المُنَادى بعيداً: يا زيدُ هذا الذي يناسب، أمَّا القريب: أزيدُ (أ) هذا حرف قصير ليس له هوى.
إذاً: من حروف النداء .. نداء البعيد: (آي) بمد الهمزة وسكون الياء، وقد عَدَّهَا في التسهيل من جملة ما يُنَادى به البعيد، فجملةُ الحروف حينئذٍ تكون ثمانية.
ذهب المُبَرِّد: إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، كما ذكرها الناظم هنا.
و (أي) والهمزة للقريب، و (يا) لهما، إذاً: جَعَلَ (أي) دون مدٍ للقريب، وابن مالك جعلها للبعيد، قلنا: ذكر خمسة للبعيد، أو ما هو في حكم البعيد، وذكرَ منها: (أي).
المُبَرِّد ذهب إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، وهذا موافقٌ للناظم ولا إشكال فيه، و (أي) والهمزة للقريب، الهمزة للقريب لا إشكاله فيه: (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي)، باقي الخلاف بينهما في (أي) أنها للقريب، و (يا) لهما يعني: للقريب والبعيد.
وذهب ابن برهان: إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، كما ذهب إليه الناظم .. لا خلاف بينهما، والهمزة للقريب .. وافق الناظم، و (أي) للمتوسط، وهذا مشهور عند النحاة أن: (أي) للمتوسط، حينئذٍ أثبت مرتبة بين البعيد والقريب، وهذا أولى لو جُعِلَ لأن العقل يقتضيه فلا يمنع أن يكون لكل معنىً من هذه المعاني حروف خاصة، لأنه إمَّا قريب، وإمَّا بعيد، وإمَّا ما بينهما، فالبعيد له (يا) وما عُطِفَ عليه، والقريب له الهمزة، والمتوسط بينهما له (أي) وهذا لا بأس به.