قال الناظم رحمه الله تعالى: الْبَدَلُ.
هذا هو البابُ الأخير من أبواب التوابع وهو خاتمتها.
الْبَدَلُ لغةً: العِوَض، ومنه قوله: ((عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا)) [القلم:32] أي: العوض.
وأمَّا في الاصطلاح فَعرَّفه الناظم بقوله:
التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلاَ ... وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلاَ
(التَّابِعُ) جِنس دخل فيه سائر التوابع، خمسة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل.
(المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أي: وحده دون المتبوع، هذا المناسب، إن أخرجنا به عطف النسق بغير (بل) و (لكن) بعد الإثبات، مما قُصِدَ فيه التابع والمتبوع معاً كما سيأتي.
(المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) المَقْصُودُ: هذا فصلٌ أول، و (بِالحُكْمِ) مُتَعلِّق به، (بِلاَ وَاسِطَةٍ) هذا فصْلٌ ثاني، إذاً: جنس وفصلان .. جنس وقيدان.
قوله (التَّابِعُ) أدخل جميع التوابع، قوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أخْرَج ثلاثة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ لأن هذه ليست مقصودةً بالحكمِ، وإنما هي مُكَمِّلاتٌ للمقصود، فالمتبوع هو المقصود بالحكم، والنعتُ جاء مُكَملاً له، النَّعْتُ تَابعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، إذاً: مُتمٌ له، وعطف البيان كذلك جاء موضحاً وجاء مخصصاً، إذاً: مُتمٌ ما سبق، والتوكيد كذلك مُقَوٍّ، إذاً: جاء مقوياً، إذاً: مُتمٌ ما سبق، وليست مقصودة هذه الثلاثة بالحكم.
إذاً قولهم: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) يعني: بالإسناد .. نسبة، ما المقصودُ بالكلام هنا؟ سبق أن الإسناد .. ما هو الإسناد؟ نسبة حكمٍ إلى اسمٍ إيجاباً أو سلباً، أو الربط بينهما، أو ضم كلمة إلى أخرى على وجه الإفادة، هذا الإسناد: قامَ زيدٌ، الإسناد هنا شيءٌ معنوي، كونُكَ أسْنَدتَ وجئتَ بقامَ وأضفته إلى زيد على كونه فاعلاً له، هذا هو الإسناد فهو شيءٌ معنوي، ولذلك اتفقوا: على أنه يقتضي مسنداً ومسنداً إليه، يُعَبَّر عن الإسناد بالحكم الرابط بين الفعل والفاعل، كونه واقعاً منه، نفياً أو إثباتاً: ما قامَ زيدٌ، هنا على وجه النفي: قامَ زيدٌ على وجه الإثبات.
إذاً: الحكمُ والربطُ والتعلق والعلاقة بين الفعل والفاعل، والاسم والاسم الآخر، مبتدأ وخبر على وجه الإفادة، نقول: هذا هو الحكم، ولذلك قال: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ)، (بِالحُكْمِ) جار ومجرور مُتَعلِّق بقوله: (المَقْصُودُ).
(بِلاَ وَاسِطَةٍ) هذا أخرج عطف النسق؛ لأن عطف النسق هو مقصودٌ بالحكم كذلك في الجملة، وسيأتي تفصيله.
جاءَ زيدٌ وعمروٌ، كلٌ منهما مقصودٌ بالحكم، إثبات المجيء لزيد كإثبات المجيء لعمرو، إذاًَ: عمرو قُصِدَ بالحكم، وإن لم يكن هو المقصود بالحكم، وكذلك: زيد الذي هو الفاعل مقصودٌ بالحكم ولا إشكال فيه، إذاً: خرجت التوابع الأربعة بقوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلاَ وَاسِطَةٍ).
وقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ) يعني: بغير، (لا) هنا اسمية، بمعنى: غير، فهو جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (المَقْصُودُ)، وجعله مُحيي الدين مُتَعلِّقاً بالتابع، هذا ليس بصحيح، والصواب: أنه مُتَعلِّق بالمقصود، و (لا) مضاف، و (وَاسِطَةٍ) مضاف إليه.