نقول: نعم، كونه مبتدأ في الأصل فهو مرفوع، لكن أين عامله .. هذا الذي لوحِظَ في المحل كونه مرفوعاً أين عامله؟ عامله أُزِيل .. ذهب، لو بَقْي عامله، نعم يُراعى في المحل، وأمَّا وقد أُزِيل عامله حينئذٍ إذا زَاَل العاملُ زَال معه المعمول هذا الأصل، وهنا نُسِخَ بمعنى: أُزيل، نَسْخ .. (إن) نقول: حرف ناسخ، وإذا كان ناسخاً معناه: قد نسخ ورفع وجود الابتداء، إذاً: لا يلاحظ الابتداء البتة.

وجود العامل الطالب للمحل أي: باقياً في فصيح الكلام، فلا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان برفع عمرو؛ لأن طالب الرفع وهو الابتداء قد زال ليس موجوداً.

النوع الثالث: العطف على التوهم، وهذا مختلفٌ فيه، وشرطه: صحة دخول العامل المتوهم على المعمول، وأمَّا كثرة دخوله فشرطٌ للحسن، ولهذا حَسُنَ: لست قائماً ولا قاعد، ولم يَحسُن: ما كنت قائماً ولا قاعداً، لستُ قائماً ولا قاعدٍ، بالخفض: ولا قاعدٍ، قالوا: هذا مجرورٌ على التوهم، ما هو التوهم هنا؟ قالوا: الأكثر في خبر (ليس) دخول الباء الزائدة تأكيداً، وهذا القائل كأنه قال: لست قائماً، ثم قال: ولا قا .. تصوَّر: كأنه أدخل الباء .. لكثرة دخول الباء على الخبر، فعطف عليه مع وجود الباء، توهُّم .. خيال، فتصور: أنه أدخل الباء هو لم يدخلها.

حينئذٍ: ولا قاعدٍ بالخفضِ مجروراً بالباء المتوهمة، أين هي؟ لا وجود لها وإنما هي في الخيال، الذي سَوَّغ له ذلك كثرة دخول الباء على خبر (ليسَ)، وهذا عندهم حسن .. عند من جَوَّزه.

وأمَّا: ما كنت قائماً ولا قاعدٍ فليس بحسن، لماذا؟ لأن دخول الباء في خبر (كان) منفيةً أقل بكثير من دخول الباء في خبر (ليس) ولمَّا كَثُرَ في باب (ليسَ) صار حسناً، ولمَّا لم يَكْثُر في باب (كانَ) ونحوها لم يكن حسناً.

والفرق بين القسمين الأخيرين: أن العامل في العطف على المحل موجود دون أثره، والعامل في العطف على التوهم مفقودٌ دون أثره، الأول: موجود وهذا غير موجود، والأصل: أنه ليس بقياس، يعني: لا يَجر بناءً على التوهم، إن حصل غلطاً فلا إشكال، وأمَّا أن يتعمده نقول: ليس بعاملٍ.

وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل معاً، نحو: ما زيدٌ قائماً لكن قاعدٌ، أو بل قاعدٌ، لأنه في العطف على اللفظ إعمالٌ لما في الموجب: ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، ما بعد (بل) هنا مثبت أو منفي؟ ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، لو جعلنا قاعد هنا معطوف على سابقه بالنصب، ما زيدٌ قائماً (ما) هنا متى تَعْمَل .. تَعْمَل في موجب أو في منفي؟ لا بُدَّ أن يكون نفياً، طيب! بل لكن قاعداً ما بعد (بل) و (لكن) مثبت، إذاً: لا يمكن العطف على المحل؛ لأن (ما) هنا أُعْمِلَت، وشرط إعمالها: بقاء النفي، وحينئذٍ: ما زيدٌ قائماً، نقول: هذا لا يصح العطف على اللفظ، لأن في العطف على اللفظ إعمال (ما) في الموجب، وفي العطفِ على المحل اعتبار الابتداء مع زوال الابتداء بدخول الناسخ، يعني: لا بُدَّ من وجود العامل في المحل، وهنا قد مُنعَ، لو قيل: بل قاعدٌ عطفاً على محل زيد، بكونه مبتدأً في الأصل، كالكلام في: إن زيداً وعمروٌ قائمان، حينئذٍ نقول: هنا لا يجوز لكون الابتداء قد زال بدخول الناسخ وهو (ما).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015