الثاني: العطف على المحل، بأن يتبع المعطوف محل المعطوف عليه، والإعراب المحلي كما سبق إنما يكون أكثر ما يكون في المبنيات. وهذا له ثلاثة شروط، يعني: يشترط في صحة العطف على المحل ثلاثة شروط:

الأول: إمكان ظهور المحلِ في الفصيح، يعني: أن يكون المحل قد نطق به العربي الفصيح، يعني: جاء في لسان العرب النطق به، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ امتنع أن يُراعى، ولو كان في الأصل متفقا عليه بأن له محلاً، ولذلك قالوا لا يصح: مررت بزيدٍ وعمراً، مع كون النحاة متفقين على أن زيد مفعول به في المعنى، فمحله النصب، لكن لا يصح أن يُقال: وعمراً، لماذا؟ لأنه لم يُسْمَع: مررت زيداً، لا بُدَّ أن يكون هذا المحل قد نطق به العربي الفصيح ولو مرةً واحدة، فلما لم يُنْطَق به ولو مرةً واحدة، حينئذٍ لو كان له محل لا يعتبر عند العطف.

إذاً: إمكان ظهور المحلِ في الفصيح: بأن يكون ذلك المحل مما يَظْهَر في فصيح الكلام، فلا يجوز: مررت بزيدٍ وعمراً بالنصب، فإنه وإن كان محل الجار والمجرور نصبٌ؛ لأنه في معنى المفعول به، لكن لمَّا كان لا يجوز أن تقول في الفصيح: مررت زيداً، لم يَجُز النصب للمعطوف هنا، أن يكون المعطوف عليه مَحلاً قد نُطِقَ به ولو مرةً واحدة في الفصيح منصوباً أو مرفوعاً على حسب ما يقتضيه.

الثاني: كون المحل بحق الأصالة .. بأن يكون استحقاق المعطوف عليه لذلك المحل لحق الأصالة، فلا يجوز: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، ضاربٌ زيداً يجوز فيه وجهان: ضاربٌ زيداً، وضاربُ زيدٍ، طيب! إذا نَصَبْتَ تقول: ضاربٌ زيداً، لو قال قائل: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، بالجر بناءً على جواز إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله، يعني: ملاحظة ضاربُ زيدٍ فيعطف عليه، نقول: لا، هنا لا يجوز لأن العامل .. اسم الفاعل هنا المستكمل للشروط، الأصل فيه: النصب، وأمَّا الخفض فهذا من باب التخفيف، فهو درئاً لمفسدة الثقل فحسب، فيُراد به تخفيف اللفظ بحذف التنوين، فحينئذٍ لا يراعى، نقول: المحل الذي يراعى هو الذي يكون أصلاً فيه، الأولى والأصل: أن يكون مخفوضاً، وأمَّا اسم الفاعل المستكمل للشروط فالأصل فيه: النصب، ولو جازت الإضافة حينئذٍ لا تُراعى في المحل، نعم لو أضافه حقيقةً: ضاربُ زيدٍ، حينئذٍ صح العطف، وإمَّا أن تُلاحَظ الإضافة ثُم يُعْطَف عليه بناءً على أن محل زيد هو الخفض نقول: لا، لكون هذا الخفض فرعاً لا أصلاً، وإنما تُرَاعَى الأصول.

كون المحل بحق الأصالة، بأن يكون استحقاق المعطوف عليه لذلك المحل بحق الأصالة، فلا يجوز: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، يعني: افتراض أنه مجرورٌ بالإضافة؛ لأن استحقاق معمول الوصف الجر ليس بالأصالة، بل الأصل: النصب والجر بالإضافة لقصد التخفيف.

الشرط الثالث: وجود العامل الطالب للمحل، المحل إذا قيل: هذا مُعربٌ محلاً مرفوعاً أو منصوباً، لا بُدَّ أن يكون العامل موجودا، أي: باقياً في فصيح الكلام، ولا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان، هذا كما سبق بيانه أن بعضهم جعل: وعمروٌ معطوفاً على المبتدأ، أين المبتدأ؟ هو زيد باعتبار الأصل: إن زيداً، أين العامل؟ كأنه جَعَلَ زيداً له محلين:

المحل الأول: النصب وهو اللفظ، المحل الثاني: الرفع لكونه مبتدأ في الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015