(وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) العَطْفُ قد يكون عطف اسمٍ على اسمٍ، وقد يكون عطفَ جملة على جملة، وقد يكون عطف فعلٍ على فعلٍ، يعني: يحصل العطف بين أنواع الكلمة الثلاث .. بين أنواع الكلمة: الاسم والفعل، ويدخل في ذلك الفعل ما إذا عُطفَ الفعل مع معموله، وهو عطف الجملة على الجملة؛ لأنه قد يُلاحظ الفعل فقط دون فاعله، ويكون هو المعطوف؛ لأن الفعل لا بُدَّ له من فاعل، حينئذٍ إذا قيل: عُطفَ الفعل مع فاعله، تعين أن يكون عطف الفعل هو عطف الجملة على الجملة.
وقد أطبق النحاة على أن ثَمَّ فرقاً بين النوعين، كيف يُعْطَف الفعل على الفعل؟ نقول: دون أن يُلاحظ الفاعل، فإذا لاحظت الفاعل وجعلته معطوفاً عليه، صار من عطف الجملة على الجملة، وهذه العطف .. عطف الجمل والبدل والنعت، هذه يتوسع فيها البيانيون توسع عجيب، من أراد أن يضبطها فليست هنا وإنما هي في: علم البيان.
(وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ)، (وَعَطْفُكَ) هذا مبتدأ، أين خبره .. والفعلَ ما ناصبه؟ عطفُ ما نوعه؟ مصدر، طيب! من إضافة المصدر إلى الفاء، عطفك أنتَ الفعل، الفعل هذا مفعولٌ به، العامل فيه عطفك .. بمثله، (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ) جار مجرور مُتَعلِّق بعطف، فإذاً هو مصدر، (يَصِحْ) هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف أو الرويّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو يعود على العطف، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.
(وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) بشرط: اتحاد زمانيهما، سواءٌ اتَّحد النوع أم لا، يعني: لا بُدَّ أن يكون الزمن مُتَّحداً، هكذا شرطه ابن مالك رحمه الله تعالى: لا بُدَّ من شرط اتحاد زمانيهما، سواء اتَّحد نوعهما يعني: عُطفَ مضارع على مضارع، أو ماضٍ على ماضٍ، أو مضارع على ماضٍ، أو بالعكس، وأمَّا عطف الفعل .. فعل الأمر على فعل أمرٍ آخر، فهذا من عطف الجملة على الجملة؛ لأن فعل الأمر: قُم واقعد، حينئذٍ نقول: اقعد وقُم فيهما ضمير مستتر وجوباً وهو فاعل، وحينئذٍ إذا عُطف الثاني على الأول نقول: من عطف الجملة على الجملة، وليس من عطف الفعل على الفعل.
سواءٌ اتحد نوعهما، نحو: ((لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ)) [الفرقان:49] نحيي .. نسقي، إذاً: عُطف الفعل المضارع على المضارع، ((فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقَالَ)) [النازعات:23 - 24] أي نوع؟ كلها ماضٍ، حشر: فعل ماضي، فنادى: فعل ماضي، فقال: هذا من عطف الماضي على الماضي. إذاً: سواءٌ اتحد نوعهما مضارع على مضارع نحيي .. نسقي، أو ماضٍ على ماضٍ ((فَحَشَرَ فَنَادَى)) [النازعات:23].
أم اختلفا كقوله: ((يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ)) [هود:98] (يَقْدُمُ) (فَأَوْرَدَ) عطف الماضي على المضارع، والماضي هنا بمعنى: المستقبل ((فَأَوْرَدَهُمُ)) [هود:98] يعني: سيوردهم، إذاً: اتحدا في الزمنِ، ((تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)) [الفرقان:10] عطف المضارع هنا على الماضي.