(وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ) كقول بعضهم: وَبكَ وَأهلاً وَسهلاً، هذه ثلاث واوات، الأولى: عاطفةٌ لجملة على جملة. جواباً لمن قال له: مرحباً بك، يقول: وبكَ وأهلاً وسهلاً، والتقدير: ومرحباً بك وأهلاً، الواو الأولى: لعطف جميع الكلام على كلام المُتَكلِّم، يعني: عطف الجملة على الجملة، وهذا لا إشكال فيها، كقوله: السلام عليكم .. وعليكم السلام، الواو هذه عاطفة للجملة على الجملة، وعليكم السلام: الواو عطف .. عطف على جملة المُتَكلِّم الأول المُسَلِّم، فليست داخلة في الشاهد.
الواو الأولى: لعطف جميع الكلام على كلام المُتَكلِّم الأول، كالواو في قوله: وعليكم السلام، جواباً لمن قال: السلام عليكم، والثانية: لعطف أهلاً على مرحباً المقدر، عطف مفرد على مفرد وهي محل الاستشهاد.
إذاً: وبك وأهلاً .. وبك ومرحباً وأهلاً، حذف المعطوف عليه وبقي وأهلاً معطوف .. بقي المعطوف وهو: أهلاً، وحذف المعطوف عليه وهو: مرحباً.
مَثَّل الزمخشري بقوله تعالى: ((أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ)) [الجاثية:31] قال التقدير: ألم تأتكم آياتي فلم تكن، ثَمَّ محذوف بين الهمزة و (لم) وهذا يُقدِّره في جميع القرآن من أوله إلى آخره على هذا التقدير، دائماً تكون الفاء حاذفةً لشيءٍ .. للمذكور على معطوف محذوف: ألم تأتكم ((أَفَلَمْ تَكُنْ)) [الجاثية:31] ولذلك صح مجيء الفاء بعد الهمزة: (ألم) هذا الأصل .. (فألم) لكن استحساناً للفظ وتحسيناً له أُخِّرَت الفاء عن الهمزة وقيل: (أفلم .. فألم) حينئذٍ نَعْلَم أن الفاء هذه عاطفة، أين المعطوف عليه؟ هذه تأتي في أول الآية .. أين المعطوف عليه؟ حينئذٍ لا بُدَّ من التقدير .. تقدير معطوفٍ عليه محذوف قبل الفاء، بمثل هذه قال: ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم، فحُذف المعطوف عليه وهو: ألم تأتكم وهو جملة.
إذاً القاعدة العامة: يجوز حذفُ المعطوف عليه إذا كان العطف بالفاء، (وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا)، (هُنَا) يعني: في هذا الموضع، وهو العطف بالواو والفاء، (اسْتَبِحْ) وما عداه فيبقى على الأصل.
إذاً الأقسام ثلاثة:
حذفُ المعطوف عليه فقط مع بقاء المعطوف وحرف العطف، وهذا يكون بالفاء والواو.
ثانياً: حذف المعطوف مع الفاء والواو، وهذا خاصٌ بهما.
ثالثاً: حذف المعطوف مع بقاء الحرف، وهذا خاصٌ بالواو، وأمَّا حذف حرف العطف فقط، هذا كما ذكرناه أنه فيه نزاع، وإن جاز لا بُدَّ من تقييده: بأن يكون بالواو وأو لا بغيرهما، وألا يكون ثَمَّ لبسٌ بألا يَحتمل أن يكون بدلاً، أو عطف بيان أو نحو ذلك، فإن احتمل فلا يجوز، فيبقى على الأصل، متى نَحْذِف الواو؟ إذا قرأنا الجملة وعلمنا أن ثَم عطفاً: أكلتُ لحماً خبزاً معلوم هذا، خاصة إذا عدد ثلاثة أو أربعة، حينئذٍ نقول: لا يَحتمل البدل.