وأمَّا فعل الأمر، فعطفُ مِثله عليه من باب عطفِ الجملِ؛ لأن فيه ضميراً مستتراً وجوباً. إذاً: عطفُ (الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) بشرط: ألا يُلحظَ فيه الفاعل، فإن لُحِظَ فيه الفاعل حينئذٍ يكون من عطف الجملة على الجملة.
قال هنا الشارح: " وأشار بقوله: (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ) إلى آخره؛ إلى أن العطف ليس مختصاً بالأسماء، بل يكونُ فيها وفي الأفعال نحو: يقومُ زيدٌ ويقعدُ " يقعدُ: هذا معطوف على يقوم، والعامل فيه هو العامل في الأول: وجاءَ زيدٌ ورَكِبَ، جاءَ .. رَكِبَ: اضرب زيداً وقم، هذا محل خلاف بين النحاة، اضرب قم، هل هو معطوفٌ عليه أم لا؟ قيل: هنا لا يمكن أن يُتَصور انفكاك الفاعل عن الفعل، فإذا كان كذلك صار من عطف الجملة على الجملة.
وأمَّا السابق: يقومُ زيدٌ ويقعدُ، (يقومُ) فعل مضارع مرفوعٌ لتجرُّده عن الناصب والجازم ورفعُه ضمة ظاهرة في آخره، وزيدٌ: فاعل، والواو: حرف عطف، ويقعدُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ معطوفٌ على يقومُ، ولا تقل: مرفوعٌ لتجرُّده عن الناصب والجازم؛ لأن العامل في الأول هو العامل في الثاني، هذا شأن المعطوفات: جاءَ زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ: هذا مرفوع، والرافع له هو جاء، فالعامل في الأول هو العامل في الثاني، سواءٌ كان في باب الأسماء .. المعربات، أو كان في باب الأفعال.
إذاً:
وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ ... وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحّ
هُنا فائدة: قد يتقدم المعطوف بالواو للضرورة على مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين جوازه اختياراً بقلة، وجَوَّزه في شرح الكافية إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف أو تقدم عليه، يعني: هل يجوز أن تتقدم الواو مع معطوفها .. هل يجوز أن يُقال: جاءَ وزيدٌ عمروٌ؟ الأصل: جاءَ زيدٌ وعمروٌ، هل يصح أن نقول: وعمروٌ نُقدمه على زيد .. نُقدم الواو مع ما بعدها على المعطوف عليه؟ هذا الأصل: عدم الجواز، عند البصريين لا يجوز إلا ضرورةً، وعند الكوفيين: أنه جائزٌ اختياراً بقلةٍ .. قليل.
وجَوَّزه في (شرح الكافية). لكن بشروط: إن لم يُخرجه التقديم إلى التصدير، يعني مثلاً: إذا قيل: زيدٌ وعمروٌ قائمان، في مثل هذا التركيب لا يصح أن نقول: وعمرٌ زيدٌ قائمان؛ لأننا أخرجناه بالتقديم إلى التصدير، يعني: صار في صدر الجملة وهذا ممتنع، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف، مثل ماذا؟ ما أحسنَ وعمراً زيداً .. ما أحسنَ زيداً وعمراً، هل يصح أن نُقدم وعمراً، فنقول: ما أحسن وعمراً زيداً؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه صار تالياً أو مباشراً لعاملٍ لا يتصرف وهو أفعل التفضيل كما سبق، ولا يصح كذلك: أحسنَ زيداً، لعدم التصرف في العامل.
إذاً: إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف، أو تقدم عليه، فلا يجوزُ: وعمروٌ زيدٌ قائمان، لماذا؟ لتصدير المعطوف وفوات توسطه، ولا: ما أحسنَ وعمراً زيداً، ولا: ما وعمراً أحسن زيداً، لعدم التصرف في العامل.