ومذهب أبي عليّ الفارسي وابن كيسان وابن برْهَان: أن العاطف هو الواو، و (إمَّا) دالةٌ على الإباحة أو التخيير أو الشك أو الإبهام، إذاً: لها معنى وهو الذي دلت عليه (أوْ) لكن العطف لا، إنما العطف يكون بالواو.
فإمَّا مثل (أوْ) في الدلالة على المعنى فقط عندهم، وهذا الذي كلام الناظم يشير إليه، وليست مثلها في عطف ما بعدها على ما قبلها، وزعم ابن عصفور: أن هذا مجمعٌ عليه، وفيه نظر.
ولذلك قال ابن عقيل هنا: " وليست (إمَّا) هذه عاطفة خلافاً لبعضهم وذلك لدخول الواو عليها، وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف " وهذا الصحيح: أن (إمَّا) ليست عاطفة، ولذلك ذكرها بن آجروم هناك في حروف العطف.
ثُمَّ قال رحمه الله:
وَأَوْلِ "لَكِنْ"نَفْيَاً اوْ نَهْيَاً وَ"لاَ" ... نِدَاءً اوْ أَمْرَاً أَوِ اثْبَاتَاً تَلاَ
(وَأَوْلِ "لَكِنْ" نَفْياً أَوْ نَهْيَاً) يعني: اجعل (لكِنْ) تاليةً .. مواليةً .. تابعةً (نَفْياً أَوْ نَهْيَاً) يعني: لا تكون (لكِنْ) حرف عطفٍ إلا إذا كانت تابعةً لنفي أو نهي، (وَأَوْلِ) أي: اجعلها واليةً، أي: تاليةً وتابعةً، (لكِنْ)، أَوْلِ أنت ولَكِنْ: مفعولٌ أول، قُصِدَ لفظه، و (نَفْياً) هذا مفعولٌ ثاني، (أَوْ نَهْياً) معطوفٌ على نَفْياً، والمعطوف على المنصوب منصوب.
(لكِنْ) حرف عطفٍ عند الجمهور بشروطٍ كما سيأتي، وذهب يونس بن حبيب: إلى أنها لا تكون حرف عطفٍ أبداً، إذاً: في كون (لكِنْ) حرف عطف أم لا؟ فيه خلاف، الجمهور على أنها حرف عطف، لكن ليست مطلقاً .. ليست في كل موضع، وإنما بشروط. وذهب يونس بن حبيب: إلى أنها لا تكون حرف عطفٍ أبداً .. مطلقاً، وأنها تكون حرف استدراكٍ في كل كلامٍ وردت فيه مطلقاً .. في كل كلام إذا جاءت (لكِنْ) حينئذٍ هي حرف استدراكٍ وليست بحرف عطفٍ، فإن ذُكِرَت معها الواو فالعاطف هو الواو .. لا شك .. إذا قيل: جاء زيدٌ ولكن عمروٌ، فالعاطف هو الواو، وإمَّا (لكِنْ) تكون حرف استدراك، نحو: ما قام زيدٌ ولكن عمروٌ.
وإن لم تُذكر معها الواو فهي حرف استدراك، وما بعدها معمولٌ لمحذوف، إذا قيل: ما قام زيدٌ لكن عمروٌ، (لكِنْ) هنا ليست حرف عطفٍ عند يونس، وإنما هي حرف استدراك، حينئذٍ ما بعدها يكون معمولاً لفعلٍ محذوف يُفَسِّره المذكور، ما قام زيدٌ لكن قام عمروٌ، فعمروٌ: فاعل لفعل محذوف يدل عليه المذكور، والتقدير: ما قام زيدٌ لكن قام عمروٌ، ووافقه في التسهيل، يعني: رجح ابن مالك في التسهيل رأي يونس بن حبيب بكون (لكِنْ) لا تكون حرف عطفٍ البتة، وخالفه هنا!
وأمَّا عند الجمهور فهي حرف عطفٍ لكن بشروط ثلاثة، لأن الناظم هنا لم يذكرها: