مقتضى كلامه في المثال: أنه لا بُدَّ من تكرارها -لأن ابن مالك يعطي الأحكام بالأمثلة-، مقتضى كلامه في المثال: أنه لا بُدَّ من تكرارها وذلك غالبٌ لا لازمٌ، فقد يستغنى عن الثانية، بذكر ما يغني عنها، نحو: إمَّا أن تتكلم بخير، وإلا فاسكت: وإمَّا أن تسكت، هذا الأصل، فأُبْدِل بدلاً من (إمَّا) الثانية جيء بها .. ببدلها أو بما يقوم مقامها، إذاً ظاهر كلامه: أنه لا بُدَّ من التكرار، ونقول: هذا ليس بلازمٍ، فقد تحذف الثانية ويعوض عنها ما يقوم مقامها كـ (إلا) في قولك: إمَّا أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، وإمَّا أن تسكت .. وإلا فاسكت، وقد يستغنى عن الأولى بالثانية، أي: لفظاً لا تقديراً، كما سيأتي.

وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا" الثَّانِيَهْ ... فِي نَحْوِ إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ

قال المكُودِي: " فُهِمَ من قوله: ("إِمَّا" الثَّانِيَهْ) فائدتان:

الأولى: أن التي بمعنى (أوْ) إنما هي الثانية دون الأولى.

الفائدة الثانية: أنها لا بُدَّ أن تكون مسبوقةً بـ (إمَّا) أخرى.

وفُهِمَ من المثال: أنها لا بُدَّ أن تكون مع الواو وهذا واضح: (وَإِمَّا النَّائِيَهْ) استعملها بالواو، فدل على أنها لا تكون كذلك إلا إذا سبقتها الواو:

وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا" الثَّانِيَهْ ... فِي نَحْوِ إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ

نقول: في (إمَّا) مباحث -تلخيصاً لما سبق-:

الأول: لغة أكثر العرب كسر همزة (إمَّا) ولغة تميم وقيس وأسد: فتح همزتها (أَمَّا)، يعني يقال: أَمَّا ذِيِ وأَمَّا النَائِيَه .. في لغة تميم وأسد: أَمَّا ذِيِ وأَمَّا النَائِيَه.

الثاني: الغالب في (إمَّا) هذه تكرارها، وقد تحذف الثانية ويُؤتى في الكلام ما يقوم مقامها، نحو: إمَّا أن تتكلَّم بخير وإلا فاسكت، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية، وذلك نحو قول الشاعر:

تُلِمُّ بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... وَإمَّا بِأَمْوَاتٍ أَلَمَّ خَيَالُهَا

(تُلِمُّ بِدَارٍ) المعنى تُلِمُّ إمَّا بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... وَإمَّا بِأَمْوَاتٍ والفراء يقيس على هذا فيجوز عنده: زيدٌ يبقى وإمَّا يسافر، يعني: يحذف الأولى، كما تقول: زيدٌ يبقى أو يسافر.

ثالثاً: اتفق النحاة على أن (إمَّا) لا تأتي بمعنى: الواو، ولا بمعنى: (بل) هذا باتفاق، ولذلك قلنا: (مِثْلُ "أوْ" في القَصْدِ) هذا فيه إشكال! وإنما تأتي لما تأتي له (أوْ) من المعاني المشهورة المتفق عليها، وهي التخيير، والإباحة بعد الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر، وأمثلتها أمثلة (أوْ) كما سبق.

رابعاً: اختلف النحاة في (إمَّا) هذه أمركبةٌ أم بسيطة؟ فمذهب سيبويه: أنها مركبة من (إن وما) وذهب غيره: إلى أنها بسيطة وهو الصحيح، لأن البساطة هي الأصل.

خامساً: لا خلاف بين النحاة في أن (إمَّا) الأولى غير عاطفة، هذا باتفاق، وذلك لأنها قد تقع بين العامل ومعموله: تزوَّج إمَّا هنداً وإمَّا أختها، واختلفوا في (إمَّا) الثانية: فمذهب أكثر النحاة أنها عاطفة، والواو التي قبلها زائدة، لئلا يلزم دخول العاطف على العاطف، وهذا فيه ضعف، من حيث إن الحكم على الواو بكونها زائدة فيه إشكال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015