(وَأَبْهِمِ وَاشْكُكْ) يعني: أبهم بأو، واشكك بأو، هنا لا نقول: تنازع، لأنه متأخر إلا على مذهب من يرى التوسط، أنه من باب التنازع، والصواب أن نقول: وأبهم بأو حذف منه الجار والمجرور لدلالة ما سبق عليه، حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، وَاشْكُكْ: واشكك بأو كذلك.
(خَيِّرْ أَبِحْ) .. خَيِّر بـ: (أوْ) يعني: إتي بـ (أوْ) حال كونك مريداً معنى التخيير، فتُستعمل (أوْ) في ستة معانٍ ذكرها الناظم في هذا البيت، وهو التخيير المراد بقوله: (خَيِّرْ)، و (أَبِحْ) الإباحة، و (قَسِّمْ) التقسيم، الثالث (وَأَبْهِمِ) الإبهام، (وَاشْكُكْ) الشك، وسادساً: الإضراب، وهذا محل النزاع.
إذاً: تأتي (أوْ) للتخيير، ليس المراد هنا خيِّر بمعنى: أن الفعل هنا يدل على الوجوب لا، وإنما أبيح لك أن تأتي بـ (أوْ) مراداً بها التخيير، وأبيح لك أن تأتي بـ (أوْ) مراداً بها الإباحة وهكذا.
تُستعمل (أوْ) للتخيير نحو: خذ من مالي درهماً أو ديناراً، خيره يعني: أنت مُخيِّر بين شيئين، وقد تأتي بين أشياء، لكن المثال هنا بين اثنين: خذ من مالي درهماً أو ديناراً، نقول: (أوْ) هنا أفادت التخيير، يعني: لا تجمع بينهما خذ واحداً فقط، خذ إمَّا دينار وإمَّا درهم .. هذا التخيير.
وللإباحة: (أَبِحْ) الإباحة الشرعية أم العقلية؟ لا يمكن أن يتصور أن تكون الإباحة الشرعية، لماذا؟ لأن البحث لغوي، واللغة سابقة على الشرع، قطعاً هذا، يعني: موجودة اللغة ثم جاء الوحي، فهي سابقة، إذاً: ليس المراد بالإباحة هنا الإباحة الشرعية، لأن الكلام في معنى (أوْ) بحسب اللغة قبل ظهور الشرع، بل المراد الإباحة بحسب العقل .. الإباحة العقلية، أو بحسب العرف في أي وقتٍ كان وعند أي قومٍ كانوا.
إذاً: ينظر في العرف هنا .. العرف مُحكَّم، حينئذٍ إذا ثَمَّ كان تخيير بين أشياء عرفاً، وقد لا يقتضيه العقل، نقول: لا بأس به أن تستعمل (أوْ) في الإباحة، نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، -النحاة من الآجرومية إلى شروحات الألفية والمثال هذا معهم-، جالس الحسن: مفعولٌ به، أو ابن سيرين، هنا أو: للإباحة، لماذا؟ لأنه ليس كالأول، خذ من مالي ديناراً أو درهماً .. واحد لا تجمع بينهما، فـ: (أو) هنا تقتضي عدم الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وأمَّا: جالس الحسن أو ابن سيرين، يجوز الجمع، ادرس النحو أو الفقه هذا للإباحة، ليس المراد ألا تجمع هذا إلا إذا ثَمَّ قرينة شيء آخر هذا، إنما المراد من اللفظ من حيث هو: ادرس النحو .. تعلم النحو أو الصرف، نقول: لك أن تجمع بينهما.
إذاً: الفرق بين (أوْ) التي للتخيير، والتي للإباحة: أن الإباحة لا تمنع الجمع، يباح أن تجمع بينهما، وأمَّا التخيير فيمنعه، هذا التخيير يعني: بين اثنين أو أكثر.
(قَسِّمْ) يعني: تأتي (أوْ) للتقسيم بنوعيه، سواء كان التقسيم: من تقسيم الكلي إلى جزئياته، أو تقسم الكل إلى أجزاءه، الكلمة: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، الكلام: خبرٌ أو إنشاء، الكلام: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، يجوز في نوعي التقسيم أن تأتي بـ (أوْ) إذاً: جاءت (أوْ) للتقسيم.