يعني: لو أنا تكلمت الآن .. قصدت عطف البيان فقلت: جاء أخوك زيدٌ، لا يجوز أن تُعرِب زيد بدل، لأني قصدت ماذا؟ عطف البيان، يعني: عُلِمَ القصد، وأمَّا إذا لم يُعلَم فالتركيب من حيث هو: فكل ما جاز إعرابه عطف بيان جاز إعرابه بدل إلا ما استثني، إذاً: ليس على أطلاقه، وأمَّا بالنسبة لقصد المتكلم فلا يصح إلا أحدهما.
وَصَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى ... فِي غَيْرِ نَحْوِ يَا غُلاَمُ يعْمُرَا
صالحاً: هذا مفعول ثاني ليُرَى، ويُرَى: هذا مُغيَّر الصيغة، و (لِبَدَلِيَّة) متعلق بقوله: (صَالِحاً)، وَيُرَى صَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ فِي غَيْرِ نَحْوِ، نحن نقول: ما أُعرِبَ عطف بيان صلح أن يُعرب بدل، إذاً: يُرَى، ما هو الذي يُرَى .. الضمير نائب الفاعل يعود على ماذا؟ عطف البيان، إذاً: يُرَى عطف البيان صالحاً لبدليةٍ، إذا استحضرت الضمير حينئذٍ عرفت المراد، يُرَى عطف البيان صالحاً لبدليةٍ، يعني: مطرداً مطلقاً إلا في موضعين:
أشار إلى الأول بقوله: (فِي غَيْر نَحْو يَا غُلاَمُ يعْمُرَا) يَا غُلاَمُ يعْمُرَا بضم الميم وفتحها علمٌ منقولٌ من المضارع منصوبٌ عطف بيان على محل غلام، هذا عطف بيان ولا يجوز إعرابه بدل كل من كل، لماذا؟ لأن شرط البدل والمبدل منه أنه يحل محله، كما سيأتي محله.
ولذلك هذه المسالة لو تؤخر في باب البدل لكان أجود، والفروق بين النوعين: عطف البيان وعطف البدل يذكرها النحاة في هذا المحل، والصواب تأخيرها إلى ما بعده.
إذاً: شرط البدل والمبدل منه أن يصح حلوله محل الأول، الثاني يصح أن يحل محل الأول فيتسلط عليه العامل مباشرةً، فإذا امتنع امتنع، هنا إذا قلنا ماذا؟ (يَا غُلاَمُ يعْمُرا) غلام: هذا يا: حرف نداء، وغلام: منادى، ويعمرا: عطف بيان، هل يصح أن يُعرب بدل؟ لا يصح .. لا يصح حلوله محل غلام، لماذا لا يصح حلوله محل غلام؟ يعمرا حركة الراء الفتحة، منصوب إذاً، منصوب باعتبار محل غلام، أنت إذا نطقت .. أنا سمعت رجل يقول: يا غلام يعمرا، إذا أعربت كلامه حينئذٍ أقول: يا: نداء، غلام: مبني، يعمرا بالنصب، هو نطق به منصوباً، إذاً: عطف بيان باعتبار المحل، لو جوَّزت أن أعربه بدل كل من كل حينئذٍ لا بد أن يكون مدخولاً لـ (يا)، وإذا كان مدخولاً لـ (يا) حينئذٍ يكون: يَعْمُرُ، لو نطق به هكذا: يا غلامُ يَعْمُرُ قلنا: جاز، وأمَّا نطقه بالنصب نقول: يمتنع، لأن إعراب يَعْمُرَا يصح بدلاً بحيث يبقى على إعرابه كما هو ويَحل مَحل الأول، وهنا لا يصح أن يُقال: يا يَعْمُرَا بالنصب، لماذا؟ لأنه عَلَم، والعَلَم إذا وقع منادًى وجب بناؤه على الضم، فتقول: يا غلام يَعْمُرُ هذا الأصل، لو نطق به هكذا، قلنا: صح إعرابه بدل.
حينئذٍ لمَّا لم يصح إحلاله محل الأول امتنع إعرابه بدلاً لأنه منصوب في اللفظ، وليس المراد أنك تغير الحركة من عندك .. تبدل وتغير لا، إنما تنظر في المنطوق به الذي أمَّامك، فحينئذٍ تقول: يا غلام يَعْمُرَا بالنصب، لا يجوز أن يُعرب الثاني بدلاً، لماذا؟ لأنه إنما يجوز إعرابه بدلاً إذا صح إحلاله محل الأول وهو غلام، وهنا لا يصح لأنه منصوب، وغلامٌ مبني على الضم، امتنع إحلاله محل الأول.