وأمَّا قول الزَّمَخشَرِي: أن (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) عطف على (آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ)، في قوله تعالى: ((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ)) [آل عمران:97] هل يصح أن يُعرَب مقام إبراهيم عطف بيان على ما سبق؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن مقام إبراهيم وآيات بينات مخالفٌ للشرط الذي ذكره في قوله: (فَأَوْلِيَنْهُ) هل حصل تطابق بينهما، آيات جمع .. مقام إبراهيم واحد .. آيات مؤنث، مقام إبراهيم مذكر، آيات بينات: نكرة .. مقام إبراهيم معرفة، إذاً: خالفه في ثلاثة أشياء، ولا يمكن أن يكون نعتاً .. لا يمكن أن يكون عطف بيان.

وَصَالِحَاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى ... فِي غَيْرِ نَحْوِ يَا غُلاَمُ يعْمُرَا

وَنَحْوِ بِشْرٍ تَابِعِ البَكْرِيِّ ... وَلَيْسَ أَنْ يُبْدَلَ بِالمَرْضِيِّ

كل اسمٍ صح الحكم عليه بأنه عطف بيان مفيدٌ للإيضاح أو للتخصيص صح أن يُحكم عليه بأنه بدل كل من كل. كل ما صح إعرابه عطف بيان مفيدٌ للإيضاح أو للتخصيص، صح أن يحكم عليه بأنه بدل كل من كل مفيدٌ لتقرير معنى الكلام وتوكيده، لكونه على نية تكرار العامل من غير عكسٍ. يعني: يُعرب عطف البيان بدلاً، وليس كل ما صح إعرابه بدل أن يُعرب عطف بيان، لماذا؟ لأن عطف البيان كما سبق: أن العامل فيه هو العامل في المتبوع، إذا قلت: جاء زيدٌ أخوك، أخوك: هذا عطف بيان، أو جاء أخوك زيد، زيد: عطف بيان، ما العامل فيه .. الرفع؟ جاء نفسه.

وأمَّا إذا قلت: بأنه بدل حينئذٍ العامل فيه ليس هو جاء، وإنما هو عاملٌ محذوف مماثل للمذكور: جاء زيدٌ جاء أخوك، فأخوك معمولٌ لجاء المقدر هذا، وليس لجاء الملفوظ، إذاً: فرقٌ بينهما، جاء أخوك زيدٌ على أنه عطف بيان جملة واحدة، وجاء زيدٌ أخوك على أنه بدل جملتان، وفرقٌ بين الجملة والجملتين.

إذاً: كل ما أعرب عطف بيان صح أن يعرب بدل كل من كل من غير عكس، إلا ما استثناه الناظم رحمه الله تعالى، ولذلك قال: (وَصَالِحَاً) وإذا كان جائزاً حينئذٍ أيهما أولى؟ إذا جاز أن يُعرب عطف بيان، وقلنا: الأصل أن العطف .. عطف بيان، يجوز إعرابه بدل كل، أيهما أولى؟ عطف البيان؛ لأنه يجعله جملة واحدة، وإذا أمكن إيصال الكلام وجعله جملةً واحدة أولى من فصله وجعله جملتين، ولذلك عَبَّر عنه: (وَصَالِحاً).

قيل: أشار بالصلاحية إلى أن عطف البيان أولى من البدل في غير ما استثني، لأن الأصل في المتبوع ألا يكون في نية الطرح، -هذا سيأتي بحثه في البدل-، وألا يكون التابع كأنه من جملةٍ أخرى ثانية، لأنه على نية تكرار العامل، ثم جواز الأمرين بالنظر إلى صورة التركيب، وأمَّا بالنسبة لقصد المتكلم فلا يصح إلا أحدهما، يعني: إذا أنت تكلمت وقصدت الثاني عطف بيان ما يجوز أن يُعرب بدل، لماذا؟ لأن الجواز هنا باعتبار اللفظ نفسه لا باعتبار النية، إذا عُلِمَ قصد المتكلم ما جاز إلا أحدهما، إن عَنَى البدل تعيَّن، وهذا لا شك فيه واضح، وإن عَنَى عطف البيان لا يجوز إعرابه بدلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015