قال بعضهم: وأخرج النعت كذلك، لأنه قال: شبه النعت وشبه الشيء: غيره، فخرج النعت بهذا القيد (فذُو البَيَان تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ) أشبه الصفة .. أشبه النعت، ومشبه النعت: غيره، إذاً: خرج النعت، وكونه أشبه النعت بكونه موضحاً أو مخصصاً أخرج الثلاث البقية، إذاً: إلى هنا انتهى الحد.

ما المراد بقوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ)؟ قالوا: هذا أراد به أن يبيِّن الغرض الأصلي من عطف البيان، وهو أن يكون موضحاً لمتبوعه، ولذلك سُمي: بيان كاسمه، فالغرض الأعلى في عطف البيان: أن يكون مبيِّناً، والبيان والتبيين هو الإيضاح، وهو الكشف الذي عناه الناظم بقوله: (مُنْكَشِفَهْ).

(حَقِيقَةُ القَصْدِ به) يعني: ما المقصود بعطف البيان .. ما هو؟ الإيضاح، قصدك هو الإيضاح، (مُنْكَشِفَهْ) هذا خبر قوله: (حَقِيقَةُ).

فَذُو البَيَان تَابعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ ... حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ

حقيقة: هذا مبتدأ، وهو مضاف، والقصد: مضافٌ إليه، وبه: متعلق بالقصد لأنه مصدر، ومنكشفة: هذا خبر المبتدأ.

إذاً نقول: (فَذُو البَيَان تَابِعٌ) هذا جنسٌ (شِبْهُ الصِّفَةْ) أي: في الإيضاح والتخصيص وغيرهما، يعني: لا يكون عطف البيان فقط موضحاً ومبيِّناً، بل يأتي كذلك للمدح، وقيل: للتوكيد، وابن مالك أضعف التوكيد، فقد جاء للمدح كما جاء للإيضاح والتخصيص، كما في قوله: ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] .. ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] قال الزمخشري: الْبَيْتَ الْحَرَامَ عطف بيان أريد به المدح، إذاً: هو عطف بيان، لكن هل أريد به الكشف؟ الكعبة اسمٌ من أسماء مكة، انتبه! فائدة مهمة:

الكعبة اسمٌ من أسماء مكة، حينئذٍ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ عَلَم، لو لم تعرف أنت علم، فإذا كان كذلك إذا قال: ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] هذا مدحٌ له بأنه بيتٌ مُحرَّمٌ، حينئذٍ نقول: جيء بعطف البيان هنا من أجل المدح، لكن هذا قليل نادر، وإلا الأصل أن يكون مبيناً بمعنى: أنه تنكشف به حقيقة سابقه، وهذا ما عناه الناظم في قوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ به مُنْكَشِفَهْ).

إذاً: يأتي للإيضاح، وهذا إنما يكون بعد المعارف، ويأتي للتخصيص، وهذا إنما يكون بعد النكرات، وهل يأتي للمدح؟ نعم، على قلةٍ على ما ذكره الزمخشري في الآية، وهل يأتي للتوكيد؟ قيل: نعم، يأتي للتوكيد، ومثلوا بقول القائل: يَا نَصْرُ نَصْرَاً نَصْرَا، لكن هذا ابن مالك أضعفه: بأنه إذا اتحد اللفظ فالأولى أن يكون من باب التوكيد لا من باب عطف البيان، يَا نَصْرُ نَصْرَاً نَصْرَا، نَصْرَاً نَصْرَا نقول: هذا توكيد أو عطف بيان؟ على ما تقرر في السابق: (وَمَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي مُكَرَّراً) الظاهر أنه توكيد لفظي، وهذا أولى، بأن يُقال: إن عطف البيان لا يأتي للتوكيد، لأنه إذا اتحد لفظه مع متبوعه انتقل إلى كونه توكيداً لفظياً، فلا بد أن يكون مبايناً لمتبوعه، فإن اتحدا حينئذٍ نقول: رجع إلى الأصل.

تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ ... حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015