(العَطْفُ إِمَّا) قلنا: العطف مبتدأ، (إِمَّا) هذا حرف تفصيل، سيأتي بحثه في عطف النسق (ذُو بَيَانٍ) صاحب بيان فهو خبر العطف، (أَو نَسَقْ) أو هنا استغنى بـ (أو) عن (إمَّا) الثانية، وهذا سيأتي بحثه في باب النسق، لأن الأصل أن نقول: عطف إمَّا ذو بيانٍ، وإمَّا ذو نسقٍ، فاستغنى بـ (أو) عن (إمَّا) يعني: أقيمت (أو) مُقام (إمَّا) هذا الأصل، إمَّا ذو بيانٍ أو نسق على حذف مضاف، يعني: أو ذو نسقٍ، يعني: صاحب نسق.

(وَالغَرَضُ) المقصود الآن الغرض: مبتدأ، و (الآنَ): هذا ظرف زمان (بَيَانُ)، هذا خبر المبتدأ الغرض، (بَيَانُ مَا سَبقَ) وهو عطف البيان، يعني: الذي سبق، ما هو الذي سبق في أول التقسيم؟ عطف البيان، إذاً: الغرض في هذا الباب، والآن .. الغرض الآن: تقييد، يعني: في هذا الباب، لأنه عَمَّمَ في الترجمة، فقال: (العَطْفُ) وهذا يشمل النوعين، لكنه أراد أن يبيِّن عطف البيان، قال: (وَالغَرَضُ الآنَ) يعني: في هذا الباب، (بَيَانُ) وهذا خبر المبتدأ، الغرض، (مَا سَبقْ) يعني: الذي سبق، وهو عطف البيان.

ثم شرع في بيان عطف البيان، فقال:

(فذُو البَيَانِ تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ)، فذُو البَيَانِ الفاء هذه يحتمل أنها فصيحة، أو مجرد العطف، لأنه "فصيحة" قد يعرضها أنه قَدَّم مُقدِّمة: (وَالغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ)، لو قال: (العَطْفُ إِمَّا ذُو بَيَانٍ أَوْ نَسَقْ .. فذُو البَيَانِ، قد يقول قائل .. ثَمَّ سائل سئل: ما هو ذو البيان؟ فقال: فذُو البَيَانِ، لكن لمَّا قال: (والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ) حينئذٍ أفسد علينا أن تكون الفاء هنا فصيحة، لأن الفصيحة تقع في جواب سؤال مُقَدَّر، وهنا لم يُجعل سؤال لأنه قدم مقدمة وهو في قوله: (والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ).

(ذُو البَيَانِ) صاحب البيان، إنما سُمي: عطفَ بيان لأنه يبيِّن متبوعه، إذ اللفظ الثاني تكرارٌ للفظ الأول، يشبه أن يكون مُرادفاً للأول، فإذا قلت: جاء زيدٌ أخوك، أخوك له ذات، وزيد ذات، أخوك: هذا عطف بيان، وزيد: مُبيَّن، حينئذٍ إذا قلت: زيد أخوك .. أخوك زيد، قدمت وأخرت، الذات في البيان والمبيَّن واحدة، أليس كذلك؟ الذات واحدة أو لا؟ جاء أخوك زيدٌ .. جاء زيدٌ أخوك، زيد: ذات، وأخوك: ذات، هل هما ذاتان أم ذات واحدة؟ ذاتٌ واحدة، إذاً: أشبه ما يكون بتكرار للفظ الأول، لكن تضمن إيضاحاً أو تخصيصاً. إذ اللفظ الثاني تكرارٌ للفظ الأول، يشبه أن يكون مرادفاً للأول، فالذات المدلول عليهما باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان.

(فذُو البَيَانِ) هذا مبتدأ (تَابعٌ) هذا خبر جنس يشمل جميع التوابع.

(شِبْهُ الصِّفَةْ) يعني: أشبه النعت، في ماذا؟ في كونه موضحاً لمتبوعه في المعرفة، مخصصاً لمتبوعه في النكرة، إذاً: أشبه ذو البيان الصفة، فحينئذٍ بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) أخرج عطف النسق، لأنه لا يكون موضحاً لمتبوعه ولا مخصصاً، وأخرج كذلك البدل، لأنه لا يكون موضحاً لمتبوعه ولا مُخصصاً، وأخرج كذلك التوكيد، إذاً: ثلاثة أشياء من التوابع خرجت بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015