(وَكِلاَ وَكِلْتَا) وسبق أن كلا وكلتا، كلا للمثنى المذكر، وكلتا للمثنى المؤنث، وهما كذلك للشمول؛ لأنه قد يجوز إطلاق "الزيدان" مراداً بهما أحدهما، فيقال: جاء الزيدان على نية حذف المضاف، جاء أحد الزيدين، وجاءت الهندان، يجوز أن يكون على حذف مضاف جاءت إحدى الهندين، فرفعاً لهذا المضاف المتوهم وجوده فتقول: جاء الزيدان كلاهما، وجاءت الهندان كلتاهما، إذاً فيه رفع لتوهم إرادة المؤكد باللفظ العام الخاص، يحتمل أن يراد بـ"الزيدان" أحد الزيدين، وبـ"الهندان" أحد الهندين، فحينئذٍ قلت: كلاهما أكدته بأن المراد باللفظ هو مدلوله وعينه، فليس ثم مضافاً محذوف، وليس ثم دعوى مجاز، وكذلك الهندان، وَكِلاَ كِلْتَا: يعني وكلتا بحذف حرف العطف.
(جَمِيعاً): أي وجميعاً.
قال ابن هشام في جَمِيعاً: التوكيد بها غريب -قاله في الأوضح-، التوكيد بها غريب يعني قليل، وهي بمنزلة كل -مثل: كل- القول فيها كالقول في الكل.
إذاً: هذه أربعة ألفاظ يؤكد بها ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، يعني رفع احتمال تقدير بعضٍ مضاف إلى متبوعهن: كل، وكلا، وكلتا، وجميع.
قال: (بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ) يعني: موصلاً بالضمير، هذا حال من كل وما عطف عليه.
كُلاًّ: اذكر كلاً حال كونه موصلاً بالضمير، يعني: كالشرط السابق: مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا، إذاً يشترط في هذه الأربع إذا أُكد بهن أن تضاف إلى ضمير، ثم قوله: (بِالضَّمِيرِ) أل للعهد، يعني الضمير الذي سبق ذكره في قوله: مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا، فكأنه قال: موصلاً بالضمير المطابق للمؤكَّد، فأل للعهد.
إذاً هذه أربع ألفاظ: كل، وكلا، وكلتا، وجميع .. فلا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه، لرفع احتمال إرادة الخصوص بلفظ العموم فهي لرفع احتمال تقدير بعضٍ مضاف إلى متبوعهن.
يعبر النحاة عن هذا النوع بما ذكره هنا ابن عقيل: ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول -الشمول العموم-، يعني اللفظ السابق يحتمل أنه أريد به الخصوص فيؤتى بهذه الألفاظ تأكيداً بأن المراد بها الشمول والإحاطة –العموم-، ويعبر بعضهم بأنها لرفع احتمال حذف مضاف من المتبوع، كأنه إذا قال: جاء الركب كله: جاء بعض الركب، يحتمل ماذا؟ أن ثم مضافاً محذوف، جاء القوم: جاء بعض القوم، جاء الزيدان: جاء أحد الزيدين، جاءت الهندان: جاءت إحدى الهندين .. إذاً يحتمل أن ثم مضافاً محذوفاً.
إذاً لرفع احتمال تقدير بعض .. كلمة "بعض" مضاف لمتبوعهن -المتبوع المؤكَّد-.
ثم اعلم أن "كل" يشترط في التوكيد بها شروط:
أولاً: أن يكون المؤكد بها غير مثنى، كل (وَكُلاًّ اذْكُرْ) ليس على إطلاقه، يشترط فيها أن يكون المؤكد بها غير مثنى، أما المثنى فلا يؤكد.
الثاني: أن يكون متجزئاً، يعني يقبل التجزئة، وهو الذي عبر عنه بعضهم بأنه لا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء، لا بد أن يكون متجزئاً، إما بذاته وإما بعامله.