وهو المراد بهذين البيتين وله لفظان النفس والعين، إذاً لرفع المجاز عن الذات له لفظان فقط النفس والعين، تقول: جاء زيد نفسه، فنفسه توكيد لزيد، وهو يرفع توهم أن يكون التقدير: جاء خبر زيد، أو رسول زيد، أو أخطأ، أراد أن يقول: جاء عمرو فقال: جاء زيد، هذا محتمل، لكن هذا بعيد، أو رسوله وكذلك: جاء زيد عينه. ولا بد من إضافة النفس أو العين لضمير يطابق المؤكَّد نحو: جاء زيد نفسه أو عينه وهند نفسها أو عينها، ثم إن كان المؤكَّد بهما مثنى أو مجموعاً جمعتهما على مثال أفعُل .. جمع قلة، ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون .. أفعُل، فإذا قيل: جاء الزيدون عيونهم، ما يصح، لماذا لا يصح؟ لم يسمع عيونهم، وجاء الزيدون نفوسهم، نقول: لا يصح.
ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس ولا عيون، لكن النفوس لوحدها لو استعملت دون توكيد جائز، نفوس المؤمنين محرمة صحيح هذا، أرواح المؤمنين .. جائز، ولكن إذا أريد به التأكيد حينئذٍ اختلفا.
فلا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون، ولا في العين مجموعاً على أعيان أفعال؛ لأن أفعال هذا من جموع القلة مثل أحمال، أما جمع كثرة فلا، فُعُول نقول: هذا لا يجمع النفس والعين على جمع كثرة، وأما أفعل فهو المسموع، وأما أعيان على وزن أفعال فهذا جوزه البعض، لكن المشتهر عندهم لا.
فتقول: جاء الزيدان أنفسهما أو أعينهما، والهندان أنفسهما أو أعينهما، والزيدون أنفسهم أو أعينهم، والهندات أنفسهن أو أعينهن.
وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وَكِلاَ ... كِلْتَا جَمِيعَاً بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ
هذه أربعة ألفاظ مع الاثنين ستة، بقي واحد وهو عام.
(وَكُلاًّ اذْكُرْ) اذكر كلاً، يعني من المؤكِّدات، (وَكُلاًّ اذْكُرْ) كلاً مفعول به، واذكر فعل أمر، اذكر كلاً فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، أنت اذكر كلاً، في ماذا؟
(فِي الشُّمُولِ) ليس الشمول، وإنما في التوكيد المقصود به تأكيد الشمول، تقوية الشمول، والمراد بالشمول هنا العموم والإحاطة، ولذلك هذه الألفاظ من ألفاظ العموم، يعني مما يدل على أن المراد بالمؤكَّد الشمول والإحاطة والعموم لا الخصوص، ولذلك يعبر عن هذا النوع وهو النوع الثاني الذي عناه ابن عقيل هنا بأنه: ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، لرفع احتمال تقدير بعض المضاف إلى متبوعهم، هذا أيضاً قول. أو احتمال إرادة الخصوص بالمؤكد، تقول: جاء القوم، القوم يطلق في استعمال العرب قد يراد به كل القوم .. جميعهم، وقد يراد به بعض القوم، جاء القوم، فإذا أريد باللفظ صار اللفظ محتملاً للشمول وعدم الشمول، للكل وللبعض، إذا أردت توكيده تقويته بأنه لم يرد به الخصوص فحينئذٍ جئت بلفظ مؤكد دال على الشمول وهو كل جاء القوم كلهم، إذاً هل يحتمل التخصيص، هل يحتمل إرادة الخصوص؟ الجواب: لا. لماذا؟ فإن كان اللفظ المتبوع الذي هو المؤكد يحتمل أن يكون من إطلاق الكل مراداً به الخصوص، وهذا مستعمل في لسان العرب.
(وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ): يعني في التوكيد، توكيد الشمول المقصود أو المسوق لقصد الشمول، والشمول المراد به العموم والإحاطة.