والفرق أن المنعوت لا يستلزم النعت صناعة, فضعف طلبه له فاحتيج لدليل قوي يدل على ارتباط الجملة به, وأنها نعت له، وهذا خاص بالضمير، بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر, يعني المبتدأ بنفسه قبل أن تذكر الخبر هو دال عليه؛ لأن كل مبتدأ لا بد أن يكون له خبر.

إذاً المبتدأ يستلزم الخبر، والنعت والمنعوت لا يستلزم النعت، إذا كان لا يستلزمه لا بد من رابط قوي، وأقوى الروابط هو الضمير، لذا سبق معنا في شأن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ أن الأصل هو الضمير، وما عداه فهو مقام مقام الضمير، توسعوا هناك لوجود هذا الاستلزام، وهنا لا. بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر، فقوي طلبه له فاكتُفي بأي دليل يدل على ارتباط الجملة به, وأنها خبر عنه.

أي دليل يدل على أن هذه الجملة مرتبطة بالمبتدأ صح أن تكون خبر، وأما هنا لا، لماذا؟ لقيام الاستلزام هناك مقام الرابط، وأما هنا فلا، بل يحتاج إلى رابط قوي.

وقد يحذف للدلالة عليه كقوله:

وَمَا أَدري أَغَيَّرَهمْ تَناءٍ ... وطُولُ الدَّهرِ؟ أَمْ مَالٌ أَصابُوا؟

يعني: أصابوه، مَالٌ: هذا منعوت، وأَصابُوا الجملة هذه نعت .. أصابوه .. أصابوهم.

ويفهم من قوله: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا أنها لا تقترن بالواو بخلاف الحالية؛ لأنه لم يقل: فأعطيته ما أعطيته حالاً، يعني: تدخل عليه واو الحال لا، هنا دل على أنها تكون متصلة مباشرة، فلا يفصل بينهما عاطف.

ومن الحذف قوله: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي)) [البقرة:48] يعني: فيه، حذف فيه، يوماً هذا مثل ((يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ)) [البقرة:281] ((يَوْمًا لا تَجْزِي)) [البقرة:48] فيه، حذف فيه للعلم به.

ثم قال:

وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ ... وَإِنْ أَتَتْ فَالْقَوْلَ أَضْمِرْ تُصِبِ

يشترط في جملة النعت أن تكون خبرية، ما معنى خبرية؟

أن تكون محتملة للصدق والكذب، والطلبية: غير محتملة للصدق والكذب. لماذا؟ لأنها لم تقع، ليست واقعة، قم يا زيد، ما قمت أنت بعد، كلامي قبل حصول الحدث منك هو الذي يوصف بكونه إنشاء، ليس بعد القيام، إذا قلت: قم يا زيد، قولي: قم، هل له شيء موجود في الخارج حتى نقول: صدقت قام أو لم يقم ليس له وجود.

إذاً: الجملة الخبرية: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، والطلبية أو الإنشائية ما ليس كذلك.

إذاً: شرط الجملة التي يصح أن تقع نعتاً: أن تكون خبرية؛ لأن النعت يوضح المنعوت أو يخصصه، النعت وظيفته الكبرى توضيح، أو تخصيص، هذا أو ذاك، والجملة لا تصلح لذلك إلا إذا كان مضمونها معلوماً للسامع قبلُ.

ومضمون الجملة الإنشائية غير معلوم قبل النطق بها، حينئذٍ إذا أردت أن تخصص أو توضح هل توضح للسامع .. المخاطب؟ هل توضح له بشيء معلوم عنده وقع أو بشيء غير معلوم؟ ما يتصور في العقل أنه يحصل بالثاني، ولذلك اشترطوا أن تكون الجملة خبرية، يعني: مدلولها واقع في الخارج حاصل، هذا مرادهم، فإذا نعت وجئت بالنعت المخاطب يعلم، يعلم أن هذا الجملة قد وقعت وهي مخصصة أو موضحة للمنعوت، أما شيء لم يقع ما حصل لا يحصل به ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015