يعني: الفضل محله أبو بكر، الصديق المراد به أبو بكر، وغير أبي بكر هذا محل للفضل، فالفضلُ ننظر إليه باعتبارين، الفضل نفسه، مفضل ومفضل عليه، ننظر للفضل باعتبار كونه في أبي بكر والفضل في غيره، لا شك أنه أولى في أبي بكر، فالمنظور إليه هو الفضل من حيث هو، ثم ننظر إلى المحلين: أبي بكر وغيره، إذاً: فضل شيء الذات واحدة، هذا خلاف الأصل، الأصل في التفضيل أن يكون ثم ذاتين: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، لابد زيد وعمرو كلٌ منهما مباين للآخر، لكن إذا اتحدا زيدٌ أكرم من زيد هذا لا يصلح، اتحاد المحل نقول: هذا فاسد .. يفسد أفعال التفضيل؛ لأن المراد بها اشتراك وزيادة، اشتراك في أصل الوصف مع الزيادة، وهنا ليس فيه ذلك، ولكن هذه المسألة مستثناة يعني: خروج عن أصل، ولذلك قيدت بهذه الشروط، فإذا انتفى منها شرط، حينئذٍ نقول: لا يجوز الرفع.

كَلَنْ تَرَى فِي النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ ... أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ

إذاً: الخلاصة نقول: أصله تغاير المفضل والمفضل عليه ذاتاً، وهنا اتحدا ذاتاً فحصل في معناه التفضيلي ضعفٌ، ولذلك اشترطت الشروط السابقة.

الخلاصة نقول: أفعل التفضيل يرفع ضميراً مستتراً بإجماع .. محل وفاق، ولا ينصب مفعولاً به بإجماع، وهل يرفع اسماً ظاهراً أم لا؟ أكثر العرب: لا؟ أنه لا يرفع، وإن رفعوا به اسماً ظاهراً فحينئذٍ قيدوه بشروطٍ لأنه خارج عن الأصل، ولذلك نظر الناظم إلى شرطٍ واحد، وهو أهمها: وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا هذا الأصل لابد منه، ثم بقية الشروط مأخوذة من المثال كعادته رحمه الله يذكر المثال ومن المثال نأخذ الأحكام.

قال في شرح الكافية: أجمعوا على أنه لا ينصب المفعولَ به، فإن وجد ما يوهم جواز ذلك جُعل نصبه بفعل مقدر يفسره أفعل، نحو: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124] ذكرنا هذا مراراً، الله أَعْلَمُ: أَعْلَمُ حَيْثُ، حَيْثُ ظاهرها أنها مفعول به لأعلم، فحينئذٍ نقول: لا، الله أَعْلَمُ .. يعلم حيثُ، فحيث هذا إن صح أنها مفعول به، وإن سبق معنا أنها ملازمة للظرفية المكانية ولا تخرج عنها .. لا تتصرف، فحينئذٍ على مثال الناظم هنا وَالشَّأنُ لاَ يُعتَرضُ المثَالُ: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ)) [الأنعام:124]، يَعْلَمُ حَيْثُ، فحيث هذه منصوبة مفعول به لفعل مقدر، يفسره أعلم، لماذا لا ينصب بأعلم نفسها؟ لأن أعلم لا تنصب مفعولاً به؛ لأن الذي ينصب إما أن يكون اسم فاعل أو محمولاً على اسم الفاعل، إما أن يكون اسم فاعل واسم الفاعل يكون محمولاً على الفعل، وإما أن يكون محمولاً على اسم الفاعل، أفعل التفضيل لا هذا ولا ذاك، ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124]، فحيثُ هنا مفعول به لا مفعول فيه، وهو في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015