قال ابن هشام: والأصل: أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين؛ -هذا مهم في المسألة-، الأصل أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين: أولهما للموصوف، وثانيهما للظاهر، كالمثال الذي ذكرناه: ما رأيتُ رجلاً أحسنَ في عينهِ الكحلُ منه، انظر الكحلُ هو الفاعل، سبقه "في عينه" ضمير، وجاء بعده "منهُ" ضمير.
إذاً: وقع بين ضميرين، والأصل أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين: أولهما للموصوف: في عينهِ .. رجلاً، وثانيهما: للظاهر .. منهُ أي: الكحلُ، وقد يحذف الضمير الثاني، وتدخل (من) إما على الاسم الظاهر، أو على محله، أو على ذي المحل؛ فتقول: من كحلِ عين زيد، ما رأيتُ رجلاً أحسن في عينهِ الكحلُ من كحل عينِ زيدٍ، يعني: حذفت الضمير منه، منه احذف الضمير، فتقول: من عينِ زيدٍ.
أو من عينِ زيدٍ، أو من زيدٍ؛ فتحذف مضافاً أو مضافين، المراد: أنه قد يحذف الضمير الثاني، فتحذف مضافاً أو مضافين، وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء؛ لا يأتي بعد المرفوع شيء البتة، الكحلُ ويكتفى به: ما رأيتُ كعينِ زيدٍ أحسن فيها الكحلُ، وقالوا: ما أحدٌ أحسنُ به الجميل من زيدٍ، والأصل: ما أحدٌ أحسنُ به الجميل من حسن الجميل بزيدٍ، ثم إنهم أضافوا الجميل إلى زيدٍ لملابسته إياه، ثم حذفوا المضاف؛ ومثله في المعنى مثال الناظم الذي ذكره .. البيت الثاني: والأصل ولاية الفضل بالصديق، ثم من فضل الصديق ثم من الصديق.
كَلَنْ تَرَى فِي النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ ... أَوْلَى بِهِ الْفَضْلُ مِنَ الصِّديقِ
كَلَنْ: الكاف هذه داخلة على محذوف كقولك: لَنْ حرف نفي، إذاً وقع نفياً، سبق الكلام نفي هذا أول الشروط.
تَرَى فِي النَّاسِ، تَرَى أنتَ فِي النَّاسِ هذا متعلق بترى، مِنْ رَفِيقِ ترى رفيقاً، من زائدة دخلت على مفعول ترى، مِنْ رَفِيقٍ هذا اسم جنس، إذاً: تقدم، رفيق نكرة اسم جنس، أَوْلَى: هذا أفعل التفضيل، يقع نعت لرفيق، مِنْ رَفِيقِ أَوْلَى، أَوْلَى نعت لرفيق، أَوْلَى بِهِ: بِهِ جار ومجرور متعلق بأولى، والضمير يعود إلى الرفيق، الْفَضْلُ هذا فاعل أولى.
إذاً: أَوْلَى هنا رفع اسماً ظاهراً، استوفى الشروط أو لا؟ نعم، استوفى الشروط: أولاً: تقدمه نفي، ثانياً: قال: الْفَضْلُ هذا أجنبي لم يتلبس بضميرٍ يعود إلى الموصوف، ثالثاً: تقدمه اسم جنس "رفيق"، رابعاً: مفضلٌ هو ذاتٌ واحدة، مفضلٌ على نفسه باعتبارين: الفضلُ في الصديق هذا أولى من الفضل في غيره، لو نظرنا إلى الفضل نفس الفضل عين الفضل من حيث هو وجوده في الصديق هذا أولى من وجوده في غيره، أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ، مِنَ الصَّدَّيقِ جار ومجرور متعلق بأولى، والأصل: أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ، والشروط تامة وهو: تقدُّم النفي وهو لن، والفاعل الأجنبي من الموصف، وهو مفضل على نفسه باعتبار محلين.