وقال أيضاً -في تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر-: وجملة القول في ذلك: أن أفعل التفضيل إذا كان من متعدٍ بنفسه دالٍ على حبٍّ أو بغضٍ عُدِّى باللامِ إلى ما هو مفعول في المعنى، وبإلى إلى ما هو فاعل في المعنى، نحو: المؤمن أحبُّ للهِ من نفسهِ، هذا تعدى إلى ما هو مفعول في المعنى، وهو أحبُّ إلى الله تعدى إلى الفاعل من غيره، وإن كان من متعدٍ بنفسه دالٍ على علمٍ عدي بالباء، نحو: زيدٌ أعرفُ بي وأنا أدرى بهِ، إذا كان متضمناً لمعنى العلم تعدى بالباء، وإن كان من متعدٍ بنفسهِ غير ما تقدم عُديَ باللامِ، نحو: هو أطلبُ للثأرِ وأنفع للجار، وإن كان من متعد بحرف جر عدي به لا بغيره، يعني: إذا كان مشتقاً مأخوذاً من فعل يتعدى بحرف جر عدي بهِ لا بغيره، نحو: هو أزهدُ في الدنيا، الزهُد يتعدى بـ (في)، هو أزهدُ في الدنيا وأسرع إلى الخيِر: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ)) [آل عمران:133]، وأسرع إلى الخيرِ، وأبعدُ من الإثمِ، وأحرصُ على الحمدِ، وأجدرُ بالحلمِ، وأحيدُ عن الخنى. حينئذٍ نقول: هذه أسماء التفضيل تعدت بحروف مختلفة، بناء على ماذا؟ بناء على الفعل الذي اشتق منه، إذا اختص الفعل بحرف يتعدى به، فإذا أخذنا منه أفعل التفضيل حينئذٍ عُديَ بمثل ذلك الحرف، ولفعل التعجب من هذا الاستعمال ما لأفعل التفضيل، نحو: ما أحبَّ المؤمن لله، وما أحبَّه إلى الله، وما أعرفهُ بنفسه، وأقطعهُ للعوائق، وأغظهُ لطرفه، وأزهدهُ في الدنيا، وأسرعهُ إلى الخير، وأحرصهُ عليه، وأجدرهُ به انتهى كلامه. وهذا فصل نفيس يكتب بماء الذهب، يفيدك في التفسير.
قال رحمه الله تعالى: التَّوَابِعُ .. النَّعْتُ:
يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الاَسْمَاءَ الأُوَلْ ... نَعْتٌ وَتَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ
التَّوَابِعُ جمع تابع، والتابع في اصطلاح النحاة: هو عبارة عن الكلمات التي لا يمسها الإعراب إلا على سبيل التبع لغيرها، هذا من حيث العلامة، يعني: لا يأتيها الإعراب ولا يمسها الإعراب إلا على جهة التبعية لغيرها، لماذا رفعناه؟ باعتبار متبوعه، لماذا نصبناه؟ باعتبار متبوعه، لماذا جررناه؟ باعتبار المتبوع، إذاً: لا يمسه الإعراب إلا باعتبار المتبوعِ على سبيل التبع لغيره.
وأما في اصطلاحهم فالمراد بالتابع هو المشارك لما قبله في إعرابهِ مطلقاً، وقد حده ابن عقيل بهذا الحد، الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، الاسم هذا جنس يشمل كل الأسماء سواءٌ شارك في الإعراب ما قبلها أو لا، وقوله المشارك لما قبله في إعرابه هذا يشمل سائر التوابع: النعت والتوكيد والعطف .. عطف البيان والنسق والبدل دخلت فيها؛ لأنها مشاركة لما قبلها في الإعراب، فالنعت مرفوع إن كان متبوعه مرفوعاً، ومنصوبٌ إن كان متبوعه منصوباً، ومخفوضٌ إن كان متبوعه مخفوضاً .. وهكذا الباقي.