إذاً: المفضل والمفضل هو الكحلُ، لكن باعتبارين: فضلتَ كحلاً على كحلٍ، كحلاً في عين زيد على كحلٍ في عين عمروٍ مثلاً، والمفضل والمفضل عليه هو الكحلُ نفسه، يعني: النظر إلى الكحل لا إلى العين، وإنما الكحلُ نفسه، نقول: هذا مفضل باعتبارين، هو ذات واحدة، لكن نظر فيها إلى جهتين: كونه في عين رجلٍ وفي عين زيدٍ، ولذلك قيل: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحلُ منه في عينِ زيدٍ، الكحل هذا مفضل في عينِ زيد، ومفضل عليه في عينِ غير زيدٍ، إذاً: عينان، عين زيد وعين غيره، هو في عينِ زيد أفضل من عينِ غيره، بقطع النظر عن غيره، هذا مبالغة في الحسن، أنه لا يوازيه أحد؛ لأن الكحل جمال وزينة، إذاً: مفضلاً على نفسه باعتبارين، يعني: بين ذات واحدة باعتبار حالين، وعبارتهم موهمة التي هي: مفضلة على نفسه باعتبارين، والأولى أن يقال: ذاتٌ واحدة باعتبار حالينِ، يعني: الكحلُ في عين زيد والكحلُ في عين غيره، والكحلُ هو الكحلُ، هو المفضل والمفضل عليه، إذاً: هذه ثلاثة شروط، إن وجدت حينئذٍ نقول: استوفت المسألة شروطها، زاد بعضهم قيداً، وهو أن يكون أفعل صفة لاسم جنس ليكون أفعل التفضل معتمداً عليه، ولم يكف النفي كما في اسم الفاعل؛ لأنه لم يقو قوته، ولهذا لا ينصب المفعول به بخلاف اسم الفاعل، وإنما اشترطوا النفي ليكون أفعل التفضيل بمعنى الفعل فيعمل عمله، كل هذه كما ذكرناه سابقاً؛ كل ما كان فرعاً في العمل لابد من شروط من أجل أن تقربه إلى الفعل، كاشتراط النفي واشتراط أن يكون مفضلاً على نفسه باعتبارين، وأن يكون مرفوعه أجنبي .. كل هذا من أجل أن يقرب من الفعل، وإلا الأصل عدم العمل.

إذاً: اشتراط النفي ليكون أفعل التفضيل بمعنى الفعلِ فيعمل عمله، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْسَنَ فيِ عَيْنِهِ الكُحْلُ مِنْهُ في عَيْنِ زَيْدٍ، إذاً: الكحلُ هو المرفوع .. هو الاسم الظاهر، وهنا أفعل التفضيل عَاقبَ فِعْلاً، يعني: صلح أن يقع في محله فعلٌ، أحسنُ ... يحسُنُ، ما رأيتُ رجلاً يحسنُ في عينه الكحلُ منه في عين زيد صح التعبير وصح التركيب، فالكحلُ مرفوع بأحسن لصحة وقوع فعلٍ بمعناه موقعه. نحو: ما رأيتُ رجلاً يحسن في عينه الكحلُ كزيدٍ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: {ما من أيامٍ أحبَّ إلى الله فيها الصومُ}، أحبَّ الصومُ، الصوم هذا فاعل، ورافعه أحب، وهو اسم تفضيل، هنا الصومُ مفضلٌ على نفسه في حالين، الذات واحدة، الصيام في هذه الأيام أفضل من الصيام في غيرها، إذاً: أيامٌ وأيام والصومُ هو المفضل باعتبار حالين، إيقاع الصومِ في هذه الأيام العشر أحبُّ من إيقاعها في غيرها، فالصوم هو عينه، كالكحل الذي في عين زيد وغيره.

وقول الشاعر .. أنشدهُ سيبويه:

مَرَرْتُ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ وَلاَ أَرَى ... كَوَادِي السِّبَاعِ حِينَ يُظْلَمُ وَادِيَا

أَقَلَّ بِهِ رَكْبٌ أَتَوْهُ تئيةً ... وَأَخْوَفَ إِلاَّ مَا وَقَى اللهُ سَارِيَا

فـ (رَكْبٌ) مرفوع بـ (أَقلَّ). فقول المصنف: وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ إشارة إلى الحالة الأولى التي انتفى منها شرط من الشروط السابقة، وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015