وأولى منهما التعبير باسم الزيادة ليشمل نحو أجهل وأبخل مما يدل على زيادة النقص لا على الفضل. لما نقول: أَفْعَلَ التَّفْضِيْل. طيب: هذا أجهل الناس، أين التفضيل هنا؟ ليس فيه تفضيل، هذا أبخل الناس، هذا ليس فيه تفضيل، وأجيب عن الأول بأن قوله: أَفْعَلَ أي لفظاً وتقديراً، وخير وشر على وزن أَفْعَلَ تقديراً؛ لأن الأصل وجود الهمزة وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، وعن الثاني بأن المراد بالفضل الزيادة مطلقاً في كمال أو نقص.
ولذلك عبر من الموي بأن المراد بالتفضيل مطلق نسبة الزيادة، فيشمل نحو أجهل وأخبث، إذاً مطلقاً المراد به الزيادة في كمالٍ أو في نقصٍ، هذا أسوأ الناس إذاً فيه نقص.
أَفْعَلَ التَّفْضِيْل هذا من حيث اللفظ هو اسم لقبول علامات الأسماء تدخل عليه أل كما سيأتي، (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ)، وأل الداخلة عليه معرفة، فحينئذٍ قبِل علامة من علامات الأسماء، وهو غير منصرف لكونه ملازماً للوصفية ووزن الفعل كما سيأتي في موضعه.
وعرَّفه بعضهم بأنه الصفة الدالة على المشاركة وزيادة، وهذه تنفرد بها أَفْعَلَ التَّفْضِيْل عن سائر المشتقات؛ لأنا قلنا الصفة ما دل على ذات ومعنى، حينئذٍ كل ما دل على ذات ومعنى والأصل أنه يعبر عنه بصفةٍ أو بأنه مشتق، ثم إذا دل على مشاركةٍ وزيادة نقول: هذا مما اختص به أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، ولذلك أكثر النحاة لا يعرفون أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، لماذا؟ لأنها منفردة بنفسها لا تلتبس بغيرها، لا تلتبس باسم الفاعل ولا باسم المفعول ولا بالصفة المشبهة ولا غيرها؛ لأنها دالة بنفسها .. بذاتها على مشاركة وزيادة.
مشاركة لأنها تقتضي مفضل ومفضل عليه، فتقول: زيدٌ أعلمُ الناس، أو أعلمُ من عمروٍ، زيدٌ أعلمُ من عمروٍ دلت على مشاركة، وهي: أن كلاً منهما شارك الآخر في العلم، كل منهما عنده علم، ودلت على الزيادة وهو زيادة المفضل على المفضل عليه، زيدٌ أعلمُ من عمرو، إذاً دلت على المشاركة بأن كلاً منهما عنده علمٌ متصف بهذا الوصف، ودلت على زيادة علمِ زيد على عمرو، وهذا أمر واضح بين.
هو الصفة الدالة على المشاركة وزيادة، نحو أفضل وأعلم وأكثر، مال زيد أكثرُ من مالكَ، إذاً كل منهما عنده مال، زيدٌ أكثرُ منكَ علماً، زيد أفضل من عمروٍ .. كل منهما فيه مشاركة للآخر إلا أن المفضل تفرد بالزيادة في ذلك الوصف.
أَفْعَلُ التَّفْضِيْلِ:
صُغْ مِنْ مَصُوغٍ مِنْهُ لِلتَّعَجُّبِ ... أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ وَأْْبَ اللَّذْ أُبِي
معنى البيت أن أَفْعَلَ التَّفْضِيْل إنما يصاغ من كل فعل صيغ منه أفعل التعجب .. فعل التعجب السابق، فكل ما جاز أن يصاغ منه أفعل التعجب جاز أن يصاغ منه أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، وكل ما منع هناك من صوغ أفعل التعجب منع منه هنا في أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، البيت يدل على هذه الفائدة، وهي أن أَفْعَلَ التَّفْضِيْل وفعل التعجب اشتركا في المادة التي يصاغان منها، وهي ما أشار إليه سابقاً.
وَصُغْهُما مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرِّفَا ... قَابِلِ فَضْلٍ تَمَّ غَيْرِ ذِيْ انْتِفَا
وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أَشْهَلاَ ... وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ