وجملة: (لاَ تَعْدِل بِذَا) جواب الشرط على حذف فاء الجزاء، وقوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) قد يقول قائل: بأن الفاء هنا واقعة في جواب الشرط، نقول: لا، هنا الفاء للتَّعلِيل، لأنه لا يَصِح أن يكون جواباً: (أَيّاً كَانَ فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) أو: (أَيّاً كَانَ فلاَ تَعْدِل بِذَا)؟ الظاهر أنَّ (لاَ تَعْدِل) هو الجملة .. هو جملة الجواب.
وقوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) تَعليلٌ للنهي عن العدول وعَلَّلَ مع أن التعليل ليس من وظائف المتون، الأصل أنه يذكر الحكم فقط، وأمَّا التعليل فهذا من وظيفة الشَّارح، إشارةً إلى رَدِّ توجيه ابن كَيْسان الآتي ذكره، أو هو جواب الشرط، وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، لكن الأول أوْلى، يعني: يَحتمل أن قوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) هو جملة الجواب (أَيّاً كَانَ) .. هذا محتمل، وجملة: (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، لكن هذا ليس بظاهر، والصواب الأول: على إسقاط حرف الفاء.
أو هو جواب الشرط، وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، والباء في: (بِذَا) إمَّا على بابها - التَعْدِية – وإمَّا بمعنى (عَنْ) أي: لاَ تَعْدِل عَنْ لفظ ذَا، وهذا الظَّاهر، والمراد به: لاَ تَعْدِل بِـ: (ذَا) عن لفظ (ذَا) عن الإفراد والتذكير، فيلزم الإفراد والتذكير، لا تَعْدِل عن لفظ (ذَا) إلى غيره، وضميره يرجع إلى (ذَا) بتقدير مضاف، أي: تركيبه، أي: التركيب المُشتمل عليه.
(لاَ تَعْدِل بِذَا) (ذَا) فقط .. عن لفظه، أو إذا جاء في تركيب: حَبَّذا زيدٌ؟ في التركيب، إذن: على حذف مُضاف. أَيّاً كَانَ لاَ تَعْدِل بِذَا عن الإفراد والتذكير، فيجب في (ذَا) أن يكون بلفظ الإفراد والتذكير أيَّاَ كان المخصوص، سواءٌ كان مثنَّىً .. كان جَمعاً .. كان مؤنَّثاً، أيَّاً كان لفظه لا تَعدِل بـ: (ذَا) فتقول: (حَبَّذا زيدٌ) توافقا .. (حَبَّذا هِندٌ) تخالفا .. حَبَّذا الزيدان .. حَبَّذا الهندان .. حَبَّذا الزيدون .. حَبَّذا الهندات، مهما تَغيَّر وتَبدَّل المخصوص فـ: (ذَا) اسم إشارة مُفرد لمذَكَّر يبقى كحاله، لماذا؟! (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ).
يعني: (ذَا .. حَبَّذا) يضاهي .. يُشابه المثل، والأمثال لا تُبدَّل ولا تُغيَّر: (الصيَّفَ ضَيَّعتِ اللبن) ما يُبدَّل، تقول للرجل: الصيَّف ضَيّعتِ اللبن، صحيح؟! تقول لقوم -عشرين شخص-: الصيَّف ضَيّعتِ اللبن، يبقى كما هو، لا تقل: ضَيَّعتَ، ولا ضَيَّعتُ، إنما يبقى كحاله .. (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ).
إذن: يَجب في (ذَا) أن يكون بلفظ الإفراد والتذكير أيّاً كان المخصوص، أي: أيَّ شيءٍ كان مُذكَّراً، أو مُؤنَّثاً مفرداً، أو مثنَّىً أو جَمعاً، فتقول في المثال كما قال الشَّارح: حَبَّذا زيدٌ، وحَبَّذا هندٌ، والزيدان، والهندان، إلى آخره، فلا تَخرج (ذَا) عن الإفراد والتذكير، لأنها لو خَرَجت لقيل: حَبَّذي .. حَبَّذي هندٌ، وحَبَّذان الزيدان (ذَان) لأن (ذَا) مُفرَد و (ذَان) فتقول: حَبَّتان الهندان، وحَبَّ أولئك الزيدون .. حَبَّ أولئك الهندات، وهذا فاسد.
وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ. . . . . . . .