(فَهْوَ) أي: هذا التركيب (حَبَّذا) (يُضَاهِي) يعني: يُشابه، (المَثَلاَ) الألف هنا للإطلاق و (المَثَل) لا يُغيَّر ولا يُبدَّل، فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ في كثرة الاستعمال، والأمثال لا تُغيَّر، فكذا ما أشبهها.
وقال ابن كيسان - هذا الذي أحلنا إليه -: " إنما لم يَختلف (ذا) " .. لماذا لم يَختلف؟ عَلَّلَ الناظم كما عَلَّل أكثر النحاة: أنه شابه المَثَل، والمَثَل لا يُبدَّل، ابن كيسان له تعليل، يقول: " إنما لم يَختلف (ذا) لأنه إشارةٌ أبداً إلى مُذكَّرٍ محذوف مُطلقاً " المشار إليه مُذكَّر محذوف، ولذلك اتَّحَدْ مع جميع الأمثلة: حَبَّذا هندٌ .. حَبَّذا حُسن هندٍ، المشار إليه لفظ (حُسن) فَقدَّره مُذكراً، فيشار حينئذٍ للفظٍ مُذكَّر.
لأنه إشارةٌ أبداً إلى مُذكَّرٍ محذوف، والتقدير في: (حَبَّذا هندٌ) حَبَّذا حُسن هندٍ، وكذا باقي الأمثلة، وهذا ضعيف، رُدَّ بأنه دعوى بلا بَيِّنة، لأنه التُزِمَ الحذف، وثَمَّ قاعدة: إذا التُزِمَ الحذف لا بُدَّ من دليل عن العرب بأن يُصرَّح في بعض الأمثلة، أو أن يُقام مُقامَه ما يَسدُّ مَسدَّه، وهُنا ليس عندنا ما يَسدُّ مَسدَّه.
ورُدَّ بأنه دعوى بلا بَيِّنة، أي: دليل، لعدم ظهور هذا المُقدَّر في شيءٍ من كلام العرب الفصيح.
وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ
إذن: أوْقِع المخصوص بالمدْح أو الذَّمِّ بعد (ذَا) على أيِّ حالٍ كان، من الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع، ولا تُغيَّر (ذَا) لِتغيُّر المخصوص أبداً، بل يلزم الإفراد والتذكير لأنها أشبهت المَثَل والمَثَل لا يُغيَّر، فكما تقول: (الصيَّف ضَيّعتِ اللبن) للمذكَّر وغيره، فكذلك (حَبَّذا) يكون كذلك.
يُحذف المخصوص في باب (حَبَّذا) للعلم به كما يُحذف في باب (نِعْمَ) إذن: الحكم واحد هنا من جهة أنَّ المخصوص يُحذف هنا كما يُحذف في باب (نِعْمَ):
أَلاَ حَبَّذَا لَولاَ الحَيَاءُ وَرُبَّمَا ... مَنَحْتُ الهَوَى مَا لَيْسَ بِالمُتَقَارِبِ
أي: ألا حَبَّذا ذكر هذه النساء لولا الحياء.
وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَوْ فَجُرْ ... بِالبَا وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ
يعني: أنَّ (حَبَّ) قد يكون فاعلها غير (ذَا) من الأسماء.
فيما سبق: (حَبَّذَا الفَاعِلُ ذَا) هل دائماً يكون الفاعل (ذَا) أو تخرج عن أن يكون فاعلها (ذَا)؟ لا، تخرج لكن لها حكمٌ آخر.
(وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ)، (مَا) هذا اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، (ارْفَعْ مَا سِوَى ذَا بِحَبَّ) إذن: نفهم منه أنَّه قد يقع اسمٌ ظاهر موقع (ذَا)، (ارْفَعْ بِحَبَّ) ارْفَعْ مَا سِوَى ذَا، يعني: الذي غير (ذَا)، إذن: نفهم منه أنَّ غير (ذَا) قد يَحلُّ مَحلَّ (ذَا). يعني: أنَّ (حَبَّ) قد يكون فاعلها غير (ذَا) من الأسماء مع إرادة المدح، وفي فاعلها حينئذٍ وجهان: (ارْفَعْ ... أَو فَجُرْ) إمَّا الرفع، وإمَّا الجَرُّ، الرفع واضح، وأمَّا الجر فبالباء الزائدة لزوماً، وفي حائها إذَّاك لغتان كما سيأتي.
(وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ) يعني: أنَّه إذا وقع بعد (حَبَّ) غير (ذَا) من الأسماء جاز فيه وجهان: