(وَإنْ تُرِدْ ذَمّاً) إن تُرِد ذمَّاً بهذا التركيب (فَقُلْ: لاَ حَبَّذَا) يعني: تَزِد على (حَبَّذَا) تدخل عليها (لا) النافية، فتقول: لاَ حَبَّذَا، حينئذٍ صارت بمعنى (بِئْسَ)، (مِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا).
(وَإِنْ تُرِدْ ذَمّاً فَقُل لاَ حَبَّذَا) فهي بمعنى (بِئْسَ). يُقال في المدح: حَبَّذا زيدٌ، وفي الذَّمِّ: لا حَبَّذا زيدٌ، كقوله:
أَلاَ حَبَّذَا أَهْلُ المَلاَ غَيْرَ أَنَّهُ ... إِذَا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلاَ حَبَّذَا هِيَ
واختُلِف في إعرابها، فذهب أبو علي الفارسي: أنَّ (حَبَّ) فعلٌ ماضي و (ذَا) فاعله، وأمَّا المخصوص فَجوَّز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وجُوِّز أن يكون خبر لمبتدأ محذوف، ما يُقال هناك في المخصوص يُقال في (حَبَّ).
وذهب المبَرِّد وغيره: إلى أنَّ (حَبَّذا) اسمٌ، وهو مبتدأ والمخصوص خبره، أو: خبرٌ مُقدَّم والمخصوص مبتدأ مؤخر، فرُكِّبَت (حَبَّ) مع (ذَا) وجعلتا اسماً واحداً، وهذا ضعيف.
وذهب قومٌ: إلى أنَّ (حَبَّذا) فعلٌ ماضي و (زيدٌ) فاعله، فرُكِّبَت (حَبَّ) مع (ذَا) وجعلتا فعلاً، وهذا أضعف المذاهب – نعم، أضعف ولا شَكْ - لأنه غُلِّبَ فيه الضعيف الفعل أضعف الجزأين على الأشْرَف وهو الاسم.
وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ
(وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ) أوْلِ المخصوص (ذَا)، (أَوْلِ) يعني: اجعله تالياً له .. تابعاً له، (المَخْصُوصَ) هذا مفعول أول، (ذَا) هذا المفعول الثاني، أي: اجعل المخصوص بالمدح أو الذَّمِّ تابعاً لـ: (ذَا) يَتبعُه: حَبَّذا زيدٌ .. لا حَبَّذا زيدٌ، يكون تابعاً له، اجعل المخصوص بالمدح أو الذَّمِّ تابعاً لـ: (ذا) لا يَتقدَّم بحالٍ لا على (ذَا) ولا على (حَبَّ) فلا يُقال: حَبَّ زيدٌ ذَا! ولا يُقال: زيدٌ حَبَّذا، لا هذا ولا ذاك.
(وَأَوْلِ ذَا المَخْصُوصَ) أي: اجعل المخصوص والياً (ذَا)، وفُهِم منه: أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يكون إلا مُتأخراً عن (ذَا) بِخلاف المخصوص بعد (نِعْمَ).
إذن: من الفوارق بين المخصوصين -مخصوص (نِعْمَ) ومخصوص (حَبَّذا .. حَبَّ) - أنَّ (حَبَّذا) لا يكون المخصوص إلا متأخراً، وأمَّا (نِعْمَ) فيجوز تقديمه، وقد حكا الإجماع على ذلك ابن هشام رحمه الله.
فإنَّه يَتقدَّم، وفُهِمَ من سكوته عن إعرابه أنَّه كمخصوص (نِعْمَ)، إذن: خَالَفه في كونه لا يَتقدَّم، وأمَّا الإعراب فالحكم واحد .. ما قيل من جواز الإعراب هناك فهو الحكم هنا.
(وَأَوْلِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ)، (أَيّاً) هذا اسم شرط و (كَانَ) هذا فعل الشرط، (أَيّاً) اسم شرطٍ نُصِب بِشرطه وهو (كَانَ) .. خبر (كَانَ) ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] مثله. وهو (كَانَ) على حَدِّ قوله: ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) جواب الشرط: أيَّاً كان هو، اسم (كان) ضمير مستتر و (أيَّاً) هو الخبر، وجَبَ تقديمه وهو شرط، إذن: (كان) فعل الشرط، أين الجواب؟ (لاَ تَعْدِلْ بِذَا) الأصل أنه يقول: فلا تَعْدِل بذا .. بالفاء.