قلنا: مُبيِّنٌ .. اسمٌ مُبِينٌ (مُبِينٌ) هذا أخْرَج المُؤكِّد، فمن اشترط التبيين حينئذٍ منع أن يكون التمييز مُؤكِّداً، والمسألة فيها خلاف: هل يأتي التمييز مؤكِّداً أم لا؟ إذا قيل: (نِعْمَ الرَّجُل رجلاً) لم يُفِد، مَن جَوَّز التوكيد .. أن يكون التمييز مُؤكِّداً لا إشكال عنده، ومن مَنَع حينئذٍ: (نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً وفيَّاً) لا إشكال فيه لأنه أفاد، وأمَّا الثاني فلا.

ثُمَّ قال رحمه الله:

وَمَا مُمَيِّزٌ وَقِيْلَ فَاعِلُ ... فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ

(وَمَا مُمَيِّزٌ) يعني: في موضع نَصبٍِ تَمييز (وَقِيْلَ فَاعِلُ) إذن: قَدَّم الأول ولم يُضعِّفه، ثُمَّ قال: (وَقِيْلَ) بصيغة التمريض (فَاعِلُ) إذن: رجَّحَ الأول بِجهتين .. من طريقين:

- التقديم، وهو دائماً يُقدِّم ما هو أرجح عنده.

- وثانياً: صيغة التمريض للقول الثاني.

إذن: (وَمَا مُمَيِّزٌ) فهي في موضع نصبٍ، (وَقِيْلَ فَاعِلُ) فهي في موضع رفعٍ، وقيل: إنها المخصوص، وقيل: كافة، أربعة أقوال، في ماذا؟ أي: (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) مثل هذا التركيب، في كل تركيب وقع فيه بعد (نِعْمَ) أو (بِئْسَ) (مَا) فجملة فعلية، مثل هذا التركيب، كيف تُعرِب (مَا)؟ مُميِّز في محل نصب، وقيل: فاعل، والراجح عند المُصنِّف: أنها مُمَيِّز، إذن: فهي في موضع نصبٍ على التمييز.

ثُمَّ اختلفوا في معناها: هل هي موصولة .. هل هي معرفة .. هل هي نكرة تامة .. نكرة ناقصة؟ أقوالٌ ثلاثة .. (مَا) على القول بأنها مُميِّز، اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:

- الأول: أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخْفَش والزَجَّاجي وكثير من المتأخرين، رَجَّحوا أن تكون هذه نكرة موصوفة بالفعل بعدها، إذن: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ).

إذا قلنا: بأنها نكرة موصوفة صارت جملة: (يَقُولُ الفَاضِلُ) نعت لها، وأين الفاعل؟ ضمير مستتر، (نِعْمَ) ضميرٌ مُستتر، ثُمَّ جاءت (مَا) فهي مُميِّز، ثُمَّ (يَقُولُ الفَاضِلُ) هذه صفة للنكرة .. تَمييز، ولذلك سبق التنبيه على أنه يَصِّح وصفه: نِعْمَ رجلاً صالحاً زيدٌ، سواءٌ كان وصفه بِمفرد أو بِجملة.

- الثاني: أنها نكرة غير موصوفة، والفعل بعدها صفةٌ لمخصوصٍ مَحذوف، أي: شيءٌ، (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) نِعْمَ شَيءٌ يَقُولُه الفَاضِلُ.

- الثالث: أنها تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة محذوفة، والفعل صِلةٌ لـ: (مَا) الموصولة المحذوفة، نُقِل عن الكِسَائي، وهذا بعيد! كأنه قال: نِعْمَ مَا مَا يَقُولُ الفَاضِلُ، حينئذٍ تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة محذوفة، والفعل صِلةٌ لـ: (مَا) الموصولة المحذوفة ونُقِل عن الكِسَائي، وهذا ضعيف بعيد! لماذا؟ لأننا نقول: (مَا) هي ملفوظٌ بها، ما الذي دَلَّ على (مَا) المحذوفة هذه .. من أين في اللفظ؟ إذا قيل: بأن ثَمَّ شيءٌ محذوف لا بُدَّ من بيِّنة، إمَّا قرينة مذكورة ملفوظٌ بها، وإمَّا نَقلٌ عن العرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015