حينئذٍ نأخذ أنه قد يَسُدُّ مكان المحذوف شيءٌ من المذكور، هذا إذا التزمنا حذف المذكور، لأننا إذا حَذفنَا (مَا) في كل تركيبٍ: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) كل تركيب نُعرِب (مَا) هذه تَمييز، ثُمَّ نقول: (يَقُولُ الفَاضِلُ) هذه صِلةٌ لموصولٍ محذوف، ما الذي دَلَّنا؟ بل العكس، لو قيل: بأنَّ ثَمَّ (مَا) محذوفة لالتبَس بـ: (مَا) الملفوظة .. المذكورة، وهذا يقع به لبس.

إذن: الذين قالوا بأن (مَا) مُميزٌ اختلفوا على ثلاثة أقوال: أنها نَكِرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص مَحذوف، وهذا أظهر.

والثاني: أنها نكرة غير موصوفة، والفعل بعدها صفةٌ لمخصوصٍ مَحذوف.

والقول الثالث: أنها تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة، والفعل المذكور صِلتها، وهذا بعيد جداً.

(وَمَا مُمَيِّزٌ وَقِيْلَ فَاعِلُ) على أنها في موضع رفع فاعل، وهذا كذلك شهير عندهم، واختلفوا في معناها على خمسة أقوال، إذا قيل: بأنها في موضع رفع فاعل: (نِعْمَ مَا) على القول الأول الفاعل ضمير مُستتر، و (مَا) مُميز، وعلى القول الثاني بأنها فاعل ليس عندنا ضميرٌ مستتر، ولذلك اختلفوا على خمسة أقوال:

الأول: أنها اسمٌ مَعرِفةٌ تَامٌ غير مفتقر إلى صِلةٍ، والفعل صِفةٌ لمخصوص محذوف، والتقدير: نِعْمَ الشيء شيءٌ فَعَلْتَ.

والثاني: أنها موصولة، والفعل صِلتها، والمخصوص محذوف.

والثالث: أنها موصولة، والفعل صِلتها، وهي فاعلٌ يُكْتَفى بها وبِصلتها عن المخصوص.

والرابع: أنها مصدرية، ولا حذف في التركيب، والتقدير: نِعْمَ فِعْلك، لكن هذا ضعيف، لأنه لا يَحسُن في الكلام: نِعْمَ فِعْلك، حتى يُقال: نِعْمَ الفعل فِعْلك، لأن (نِعْمَ) لا بُدَّ أن يكون مدخولها محلىً بـ: (أل).

الخامس: أنها نكرة موصوفة في موضع رفعٍ، والمخصوص محذوف.

وهذه كلها ضعيفة، لأنها مبنية على أنها في موضع رفع، والصواب: أنها في موضع نَصبٍ تَمييز.

وقيل: أنها المخصوص (مَا) (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)، فأمَّا القائلون: بأنها المخصوص فقالوا: إنها موصولية، والفاعل مستتر، و (مَا) أخرى محذوفة هي التمييز، والأصل: نِعْمَ مَا صَنعْتَ، والتقدير: نِعْمَ شَيْئاً الذي صَنعْتَ، وهذا ضعيف أيضاً.

والقائلون: بأنها كآفَّة، قالوا: إنها كَفَّتْ (نِعْمَ) كما كَفَّتْ (مَا) قَلَّ وطَالَ .. قَلَّمَا .. طَالَما، هذه (مَا) كآفَّة كَفَّتْها عن طلب الفعل، إذن: (نِعْمَ مَا يَقُولُ) ليس لها فاعل .. عن طلب الفاعل (نِعْمَ مَا يَقُولُ) إذا قلنا بأن (مَا) كآفَّة إذن: كَفَّتْها عن طلب الفاعل، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية: يَقُولُ الفَاضِلُ، وهذا ضعيف، كما كَفَّتْ (مَا) قَلَّ وطَالَ فتصير وتدخل على الجملة الفعلية.

(فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)، (نِعْمَ) فعلٌ ماضي، والفاعل ضميرٌ مستتر و (مَا) اسمٌ نكرة موصوفة، وهي منصوبةٌ على التمييز، وجملة: (يَقُولُ الفَاضِلُ) في محل نصب نعت للتمييز، والمخصوص محذوف، هذا مذهب الزجَّاجي والأخْفَش وكثير من المتأخرين، وهو أسْلَم من بقية الأقوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015