إذن: قَوْماً منصوبٌ على التمييز، والجملة في رفع نِعمَ، والفاعل في محل رفع خبر مقدم، ومَعْشَرُهُ نقول: هذا مبتدأ مؤخر، ويسمى المخصوص كما سيأتي، فمن المثال حينئذٍ نقول: المثال هنا دل على أن نِعمَ وبئسَ لا يكتفيان بالفاعل، بل لابد من اسم آخر يسمى مخصوصاً وسيأتي: وَيُذْكَرُ الْمَخْصُوصُ بَعْدُ، إذن: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً: يعني: مبهماً على الفاعلية، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ، فإذا قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، لم يعد الضمير على زيد، بل على (رجلاً) هذا واضح، زيدٌ نعمَ رجلاً، في المثال الذي ذكره الناظم: نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ لا يلتبس أن عود الضمير على المتأخر، لكن لو قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، نعمَ هل الضمير هنا المستتر الذي هو فاعل يعود على زيد أو على رجل؟ على رجل، لا على زيد؛ لأنه هنا عمم الناظم: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً مطلقاً سواء تقدم المخصوص أم تأخر، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ هذه الجملة من فحواها تدل على أن المميز .. التمييز متأخر عن الضمير قطعاً وهذا واجب التأخير، حينئذٍ إذا قيل: زيدٌ نعمَ رجلاً، نقول: نِعمَ فيه ضمير، هذا الضمير لا يعود على زيد المتقدم، وإنما يعود على رجلاً المتأخر.

إذن: قوله: يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ فيه أن الضمير يعود على المتأخر مطلقاً، ولو تقدم المخصوص على القول بجواز تقدم المخصوص، وحكى ابن هشام في القطر الإجماع على جوازه، ويجوز وصف هذا المميز: نعم رجلاً صالحاً زيدٌ، يجوز وصفه: نِعمَ رجلاً صالحاً زيدٌ، وكذا فصله: ((بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) [الكهف:50]، بئسَ بدلاً للظالمين، فُصل بالجار والمجرور.

وَيَرْفَعَانِ مُضْمَرًا يُفَسِّرُهْ ... مُمَيِّزٌ كَنِعْمَ قَوْمًا مَعْشَرُهْ

أن يكون الفاعل مضمراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز، وهذا مذهب الجمهور، ولم يجوزوا أن يكون المذكور المرفوع فاعلاً كما سيأتي؛ لأنك إذا قلت: نعمَ رجلاً زيدٌ، بعضهم قال: لا نحتاج إلى ضمير، لا نحتاج إلى أن نقول الفاعل ضمير، بل نقول: نعمَ رجلاً زيدٌ، زيدٌ هو الفاعل، كأنك قلت: نعمَ زيدٌ رجلاً، هذا نقول: فاسد لا يمكن، لماذا؟ لأن أولاً قولهم نِعمَ رجلاً أنت، وبئسَ رجلاً هو، فلو كان هذا المرفوع المتأخر على أنه فاعل لاتصل بارزاً في المثال الأول ومستتراً في الثاني: نِعمَ رجلاً هو، يجوز أن يقع المخصوص ضمير منفصل هو، لو كان فاعلاً لوجب اتصاله، لا يصح أن يقال: نِعمَ رجلاً هو، لوجب أن يتصل بـ (نِعمَ)، ومتى ما أمكن الاتصال حينئذٍ لا يجوز أن يعدل إلى الانفصال، فلو كان الأمر كذلك لوجب اتصاله، لكن لما لم يتصل علمنا أنه ليس بفاعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015