إذن: نعم رجلاً أنت، ونِعمَ رجلاً هو، هذان المثالان يدلان على أن المرفوع بعد نِعمَ إذا وجد النكرة المنصوب على التمييز ليس بفاعل، إذ لو كان فاعلاً لاستتر في الثاني الذي هو (هو) وبرز في الأول الذي هو (أنت)، الثاني: قولهم: نِعمَ رجلاً كانَ زيدٌ، ما وجه الاستدلال على أنَّ نِعمَ رجلاً زيدٌ ليس بفاعل؟ نِعمَ رجلاً كان زيدٌ، هذا تركيب مسموع، لو كان الذي بعد رجلاً يجوز أن يكون فاعلاً لما دخل عليه كان؛ لأن كان تدخل على المبتدأ ولا تدخل على الفاعل، إذن: لما سمع نِعمَ رجلاً كان زيدٌ، دخلت كان على زيد، وهو المرفوع المتأخر بعد نِعمَ رجلاً، وكان لا تدخل على الفاعل، فدل على أنه لا يمكن أن يكون فاعلاً، ولذلك أوجب الجمهور أن يكون في مثل هذا التركيب ضميراً مستتراً واجب الاستتار، وله أحكام كما سيأتي. وأنه لا يجوز أن يرفع المذكور بعد التمييز على أنه فاعل لنِعمَ.
نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهْ، ففي نِعْمَ ضمير مستتر يفسره قَوْماً، ومَعْشَرُهُ مبتدأ.
إذن: الجملة السابقة نِعْمَ قَوْماً نقول: هذه الجملة في محل رفع خبر مقدم، ومَعْشَرُهُ مبتدأ مؤخر، والرابط العموم .. الضمير للمبتدأ على أن المراد بالضمير الجنس، أو إعادة المبتدأ بمعناه وعلى أن المراد به الشخص، هذا سبق معنا في باب المبتدأ والخبر:
وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ
قلنا: نعم الرجلُ زيدٌ، إما أن الرابط العموم، وإما أنه إعادة المبتدأ بمعناه، إذا جعلنا: أل في الرجل للجنس، حينئذٍ الرابط العموم، وإذا جعلناها عهدية، فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه.
إذن: فيه ضمير مستتر يفسره قَوْماً، ومَعْشَرُهُ مبتدأ، والرابط ما ذكرناه الضمير يعود على المبتدأ، وهذا الضمير المستتر له أحكام أربعة، ليست كسائر الضمائر.
الأول: أنه واجب الاستتار، ليس بجائز الاستتار، فلا يبرز في تثنية ولا جمعٍ، استغناء بتثنية تمييزه وجمعه، يعني: قد يجمع التمييز وقد يثنى، فإذا ثني أو جمع حينئذٍ لا نحتاج إلى أن نجمع أو نثني الضمير، بل هو واجب الاستتار، وأجاز ذلك قومٌ من الكوفيين، وحكاه الكسائي عن العرب، ومنه قول بعضهم: مررتُ بقومٍ نعموا قوماً، أبرز الضمير على أنه فاعل، وقوماً هذا منصوب على أنه تمييز .. نكرة، نعموا قوماً، رجع الضمير من نعم متصل إلى قوماً.
إذن: جمعه بناء على أن التمييز جمع، نقول: هذا نادرٌ بل شاذٌ يحفظ ولا يقاس عليه، بل يجب أن يكون مستتراً فلا يثنى ولا يجمع، حينئذٍ إذا أردنا التثنية أو الجمع، ثنينا وجمعنا التمييز، نِعمَ رجلينِ الزيدان، نِعمَ رجالاً الزيدون، فنكتفي برجالاً ورجلينِ، ونثني ونجمع كذلك المخصوص لابد من التطابق، حينئذٍ نقول: نِعمَ رجلينِ، رجلينِ هذا منصوب على التمييز وهو مثنى، ولا نقول: نعما –بالألف- رجلينِ، ولا نقول: نعموا رجالاً، لا، وإنما نثني ونجمع التمييز، فنكتفي به. وهذا نادر.