إذن عند الكوفيين أن أحسن: اسم، الدليل؟ تصغيره، ما أحيسن زيد، ما أحيسنه، يا مَا أُمَيْلِحَ، ثم أورد عليهم بأنه مفتوح والخبر يكون مرفوعاً قالوا: لا. هو منصوب والعامل فيه المخالفة، إلى هنا واضح. لكن نقول: هذا قول ضعيف؛ إذ لو كان خبراً لرفع هذا الأصل في الخبر، الخبر أن يكون مرفوعاً لا يكون منصوباً.
والصحيح: هو مذهب البصريين أنه فعل للدليل السابق، وأما تصغيره فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإذا كان شإذن حينئذٍ لا يصلح دليلاً لإثبات الاسمية، وأما التصغير في (ما أحيسنه)، والبيت الذي رووه يَا مَا أُمَيْلِحَ فشاذ، ووجهه أنه أشبه الأسماء عموماً لجموده، سيأتي أنه لا يتصرف فيه. وأنه لا مصدر له، وأشبه أفعل التفضيل خصوصاً بكونه على وزنه، وبدلالته على الزيادة، وبكونهما لا يبنيان إلا مما استكمل الشروط، لهذه الوجوه جيء به مصغراً، وعلى كلٍّ هو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، فإذا سقط دليلهم وهو بناؤهم على التصغير، حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو اتصال نون الوقاية به ولزومها فهو دليل على الفعلية.
فإذا ثبت أنه فعل فحينئذٍ لا بد للفعل من فاعل، وفاعله ضمير مستتر وجوباً، ما أحسن زيداً، (ما) قلنا مبتدأ وأحسن فعل ماضي على الصحيح، وفاعله ضمير مستتر وجوباً يعود على (ما)، ولا تقل تقديره هو، وزيداً مفعول به، وعلى طريقة الكوفيين: (ما) مبتدأ، وأحسن خبره منصوب بالمخالفة، وزيداً منصوب على التشبيه بالمفعول به.
انظر: أحسن هذا خبر، والفتحة هذه؟ قالوا: هو منصوب، لماذا منصوب؟ لأنه خالف، والمخالفة هي عاملة النصب، وزيداً هذا منصوب على المفعولية لكنه مشبه به، أين الفاعل؟ لا فاعل عندهم، ليس فيه ضمير، هذا ظاهر مذهبهم؛ لأن الاسم في مثل هذا لا يتحمل الضمير .. هذا الأصل، وأما على مذهب البصريين فأحسن فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر عائد على (ما) وهو دليل الاسمية، وهذا الضمير يخالف سائر الضمائر في ثلاثة أمور، لأن الآن خروج عن أصل:
الأول: أن الضمير المستتر في الفعل يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير، سيأتي في عطف النسق، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] اسْكُنْ ضمير مستتر، فيه فاعل ضمير مستتر، عَطفتَ عليه وَزَوْجُكَ، جاز أو لا؟ جاز بعد الفصل بضمير منفصل، هذا لا يجوز في باب أحسن، لا يجوز أن تعطف عليه ولو فصلته بضمير منفصل؛ لأنه لا يفصل بينهما، ولو كان تأكيداً، وَوَصْلَهُ بِهِ الزَمَا كما سيأتي، هذا الأول. أن الضمير المستتر في الفعل يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير المرفوع البارز أَوْ فَاصِلٍ مَا كما سيأتي في كلام الناظم، وهنا لا يجوز مطلقاً، إذن فارق هذا الضمير سائر الضمائر المستترة.
الثاني: لا يجوز أن يبدل من الضمير المستتر في أحسن مع كونه يجوز في بعض المسائل.
ثالثاً: أنه لا يجوز في باب التدريب أن يخبر عن هذا الضمير المستتر في أحسن، لا نقول: تقديره هو بخلاف سائر الضمائر.