وكونها لازماً، يعني: لا تنفك عنه بحال من الأحوال دل على أنه فعل.
للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم، وحينئذٍ فتحته فتحة بناء كما في (ضرب)، (ما أحسن) أحسنَ على وزن أفعَل مثل أكرم، أكرم الفتحة هذه فتحة بناء وليست علامة نصب، وكذلك (ضرَبَ) الفتحة هذه فتحة بناء.
وقال: وإذا كان كذلك حينئذٍ صار ما بعده مفعولاً به، على مذهب البصريين أن (أحسنَ) فعل، المنصوب بعده يكون مفعولاً به، وفيه ضمير مستتر كما سيأتي.
وقال بقية الكوفيين: اسم، يعني: (أحسن) اسم، ما الدليل؟ قالوا: سمع تصغيره، فيقال: (ما أُحَيسنه) وسمع قول القائل:
يا مَا أُمَيْلِح غِزْلاَناً شَدَنَّ لَنَا
يا مَا أُمَيْلِح، أُمَيْلِحَ، أَمْلحَ هذا صُغِّر، وقيل: أُمَيْلِحَ، وحينئذٍ نقول: تصغيره دل على اسميته، لماذا؟ لأن التصغير من خصائص الأسماء، إذن: هو اسم. ففتحته حينئذٍ فتحة إعراب كالفتحة في: (زيدٌ عندَك) عندَ الفتحة هذه فتحة إعراب. إذن: هو منصوب وليس بمرفوع مع كونه خبراً، فكيف نُصب؟
قال: وعامل النصب هنا عامل معنوي، ما هو العامل المعنوي؟ قالوا: المخالفة. وهنا أتوا بالعجائب الكوفيون. العامل هو المخالفة، ما هي المخالفة؟ قالوا: الأصل في الخبر أن يكون موصوفه المبتدأ، هذا الأصل. (اللَّهُ رَبُّنَا) عين المبتدأ، (محمد نبينا) -صلى الله عليه وسلم- عين المبتدأ، (زيد قائم) وصف للمبتدأ، (زيد قام أبوه) صار الوصف لما بعده. اتفق النحاة على أن الخبر إذا جرى على المبتدأ بأن كان عينه أو وصفاً له أنه مرفوع باتفاق، وأما إذا جرى الخبر على غير ما هو له لم يكن وصفاً للمبتدأ فوقع فيه بعض النزاع.
(زيدٌ أكرِم به أباً) زيد: مبتدأ. أكرم به أباً، الإكرام هنا وقع لمن؟ (زيد قام أبوه) أوضح هذا، زيد: مبتدأ، قائم أبوه، قائم: خبر، الخبر محكوم به والمبتدأ محكوم عليه، هل وصفت زيدا بالقيام؟ لا، إنما وصفت أباه، إذن: جرى على غير ما هو له، هذا ما يسمى بالمخالفة عند الكوفيين، صار عاملاً معنوياً فاقتضى النصب، الكلام متهافت.
وعامل النصب هنا المخالفة، فمخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه، فينصب حينئذٍ .. صار منصوباً، لماذا؟ لكونه لم يجر على ما هو له في الأصل؛ لأن الأصل في الخبر أن يكون محكوماً به على المبتدأ، فإذا حكم به لا على المبتدأ خالف، حينئذٍ اقتضى النصب، ما الذي نصبه؟ مثل ما نقول الابتداء والتجرد نقول هنا المخالفة، وهذا شذوذ.
و (أحسن) إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير (ما)، (ما أحسنَ زيداً) شيء أحسن زيداً، أحسن زيداً، أحسن فعل ماضي، وزيد فيه ضمير وهو الفاعل، وزيداً مفعول به، هنا وصفتَ الحُسنَ للفاعل أو للمفعول؟ من هو الموصوف بالحسن الفاعل الذي يعود على (ما) بمعنى شيء، أو زيداً؟ زيداً المتعجب منه، إذن جرى على غير ما هو له.
قال: وأحسن إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير (ما) فمخالفة الخبر للمبتدأ كونه ليس وصفاً للمبتدأ في المعنى، وزيد عندهم مشبه بالمفعول به، لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.