إذاً: لا يجوز أن يكون كلٌ من: (لاَزِمٍ لِحَاضِرِ) متعلقاً بصوغها؛ لعدم الفائدة، لأنه معلوم أن الصفة المشبهة من حيث الزمن لا تكون للحاضر، وكذلك باستقراء كلام العرب لا تكون مصوغة إلا من الفعل اللازم، يعني من مصدره، وحينئذٍ ما الجديد؟ صار لبيان الواقع وهو يريد أن يبين الفوارق بين النوعين: اسم الفاعل والصفة المشبهة؛ لأن اسم الفاعل يصاغ من اللازم ومن المتعدي، والصفة المشبهة إنما تصاغ من اللازم فقط، وحكمه: الوجوب.
كذلك: اسم الفاعل يكون للحاضر وللماضي وللمستقبل، يكون للحاضر والمستقبل دون الماضي إذا أُعمل، والصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر، إذاً: هذا من الفوارق.
وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ
قال الأشموني: عطف على ما سبق من تمام التعريف، قلنا: هذا فيه نظر. أي: ومما تتميز به الصفة المشبهة أيضاً عن اسم الفاعل أنها لا تصاغ قياساً إلا من فعل لازم، أي: من مصدره أصالة أو عروضاً كما في: (رحما ورحيم وعليم). نأتي في البسملة نقول: يجوز أن يكول: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) صفتين مشبهتين، لكن كيف صفتين مشبهتين و (رحمان ورحيم) مأخوذ من رَحِم، رَحِم الله كذا؟ حينئذٍ صار متعدياً.
القاعدة عند الصرفيين: أن كل ما أريد أن يدل على الثبوت حينئذٍ جاز جعله من باب فعُل، فتقول: رحِمَ رحُمَ، علِمَ علُمَ، ضرَبَ ضرُبَ، كرُمَ كرُمَ على أصله، فتَح فتُح، حينئذٍ تنقله إلى باب فعُل ثم تصوغ منه الصفة المشبهة، حينئذٍ علُمَ ورحُمَ هل هو لازم أصالة أم أمر طارئ عارض؟ الثاني ولا شك، لماذا؟ لأن ما كان أصالة فهو إنما يكون من باب فعُل لأنه لا يكون إلا لازماً، أو فعِل إذا كان لازماً، وأما إذا كان متعدياً وأردنا منه الصفة المشبهة نقلناه إلى باب فعُل؛ لأنه لا يكون إلا لازماً. فتقول: رحُمَ، رحمان صفة مشبهة، كيف صفة مشبهة؟ تقول: نقل رحِمَ إلى رحُمَ ثم اشتق منه، وهذا جائز عندهم، وسيأتي في باب نِعْمَ وبئس.
قال: كما في (رحمان ورحيم وعليم). عليم إذا قلنا: أنه صفة مشبهة مأخوذ من علُم. فإنها لازمة بالتنزيل أو النقل إلى فعُل بالضم. بالتنزيل أن ينزل المتعدي منزلة اللازم، وهذا يرد عند البيانيين هناك. ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] قلنا: (يعلم) الأصل فيه أنه متعدي، قد ينزل المتعدي منزلة اللازم فلا يحتاج إلى مفعول، وهنا (يَعْلَمُونَ) هل نقول: ثَمَّ مفعول به محذوف أو مقدر أو منوي؟ لا، ليس له مفعول، هنا غير متعدي، لماذا؟ لأنه نزل هذا المتعدي منزلة اللازم، فإذا كان كذلك صح أن يشتق منه صفة مشبهة، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يصاغ من اللازم كقائم، ومن المتعدي كضارب.
إذاً: (صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ) هذا خاص بالصفة المشبهة، وأما اسم الفاعل فيكون مشتقاً من اللازم ومن المتعدي.