ثانياً: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةُ وهذا صفة مشبهة مؤنث، الوجهِ: مضاف إليه. الوجهِ هذا فاعل في المعنى، كان فاعلاً في اللفظ ثم قصدت الإضافة فلا بد من التحويل؛ تحويل الإسناد من كون حسنةٌ مسند إلى الوجه إلى كونه مضافاً إليه، فجعلنا حسنة مضافاً إلى ضمير، وهذا هو الضمير الفاعل في الأصل، فحينئذٍ قيل: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةٌ لماذا أنث؟ الوجه مذكر أو مؤنث؟
مذكر، لا يحتاج إلى تأنيث، لو قيل: هندٌ حسنٌ الوجهُ؛ لا نحتاج إلى تأنيث لأن الوجه مذكر وحسن مذكر، إذاً: لا نحتاج، مثل: قام زيدٌ، متى نحتاج إلى التأنيث؟ إذا كان الفعل أو الوصف مسنداً إلى مؤنث وهنا ثَمَّ ضمير أسند إليه حسنة وهو عائد على هند، وإذا عاد الضمير على متقدم حينئذٍ قلنا: وجب التأنيث مطلقاً سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مجازياً، وهنا: هندٌ حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن ثَمَّ ضمير مضمر في حسنةُ يعود على هند، ولذلك تقول: زيدٌ حسنُ الوجهِ، هندٌ حسنةُ الوجهِ، ماذا تفهم من التركيبين؟ تفهم: أن ثَمَّ ضميراً هو فاعل في قوله: حسنةُ الوجهِ، هذا الضمير مرجعه إلى هند وهو مؤنث؛ فلذلك وجب تأنيث الوصف فقيل: حسنةُ الوجهِ.
إذاً: الدليل الثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، فدل على أن الصفة هنا مسندة إلى الضمير. حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن الصفة هنا مسندة إلى ضمير، الضمير هذا يعود إلى مؤنث حقيقي، فلهذا حسُن أن يقال: (زيدٌ حسنُ الوجهِ) دون تأنيث، لماذا لا نحتاج إلى التأنيث؟ لأن الضمير هنا مرجعه إلى مذكر.
إذاً: من هذين التركيبين نأخذ أن الوصف وهو حسن وحسنةُ فيه ضمير هو فاعل يعود على الموصوف وهو زيدٌ وهندٌ. من أين جاء هذا الضمير؟ كان قبل الإضافة الوصف مسنداً إلى الفاعل ثم حول فأسند إلى ضمير الفاعل الذي هو الموصوف.
نقول: أصل التركيب أن الوصف مسند إلى الاسم الظاهر، ثم لما قصدت الإضافة قالوا: لا يمكن أن يضاف الفاعل هكذا مباشرة، لا بد من تحويل يُحوَّل إسناد الوصف من كونه مسنداً للاسم الظاهر من كونه مسنداً إلى ضمير يعود إليه، فحصلت الإضافة ولا إشكال.
حسُن أن يقال: زيدٌ حسنُ الوجهِ؛ لأن من حسُن وجههُ حسُن أن يسند الحسن إلى الجملة مجازاً، إذا قيل: (حسُن الوجهُ أو وجه زيد) يحتمل أنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل ولا إشكال، سواء قلت حقيقة أو مجاز. لو قيل: بأنه مجاز؛ هل هو مجاز مقبول قريب؟ نعم، مجاز مقبول قريب.
ويصلح أن يكون من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ، قلنا: هذا ممتنع، وهذا قبيح، لو جاز يكون قبيحاً، لماذا؟ لأن الوصف بالكتابة هنا للأب، فجعلها للابن يحتاج إلى مجاز بعيد .. حتى نجعل الوصف هنا الكتابة للابن. زيدٌ كاتبُ الأبِ، يعني: أبوه هو الكاتب، طيب. قد يكون الابن كاتباً وقد لا يكون، إذا أردنا جعل هذا الوصف للابن نحتاج إلى ارتكاب مجاز بعيد؛ وهذا قبيح، فلذلك استُحسن في الصفة المشبهة جر الفاعل بها؛ لأن المجاز يكون فيها قليل والمجاز عقلي، وحينئذٍ إذا أردنا إضافة اسم الفاعل إلى فاعله وإن صح إلا أنه على ارتكاب مجاز بعيد وهو قبيح، ولذلك لا يُستحسن.