إذاً: لا يحسن أن يضاف الوصف هنا زيدٌ كاتبُ أبيهِ، وهذا من الفوارق بين الوصفين: الصفة المشبهة واسم الفاعل. لماذا لا تحسن في: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؟ علل النحاة ذلك؛ قالوا: لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، يعني: يرتكب مجاز، ثم المجاز هذا قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، إذا كان قريباً فهو مغتفر، وإذا كان بعيداً فهو قبيح، خرج بقوله: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ. الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، هو ليس فيه تحويل، ولذلك قال النحاة: يُقدر، بمعنى: أنه ينوى أولاً أنه أسند ثم بعد ذلك صار تحويل في الإسناد، مجرد تقدير وإلا لم يرد هذا عن العرب، لماذا؟ قالوا: لأن الفاعل في الأصل أن يسند لا يضاف. الفاعل مسند إليه، إذاً: لا بد أن يسند أولاً على حسب القواعد العامة، على حسب القواعد العامة لا بد أن يسند أولاً، هذا شأن الفاعل، ثم العامل قد يكون فعلاً وقد يكون وصفاً ويكون مسنداً، إذاً: الأصل أن يكون الفاعل مسنداً إليه؛ لأن الكلام إنما ينشأ عن فعلٍ وفاعل وكل منهما مسند ومسند إليه.
إذاً: لا تتأتى الإضافة هكذا مباشرة، لو قلنا: يجوز إضافة الوصف إلى فاعله دون إسناد حينئذٍ خالفنا القاعدة العامة: قام زيدٌ، زيدٌ مسند إليه. وأن أقل ما يتركب منه الكلام اسمان أو اسم وفعل. إذاً: أين الإسناد، وقد جوزنا كاتبُ أبيهِ أنه أضيف إلى فاعله دون إسناد؟ وقعنا في مخالفة، حينئذٍ تسوية لهذه القواعد ولئلا يحصل فيها لبس أو خلل قيل: أولاً يسند على الأصل، ثم بعد ذلك يحول الإسناد من اللفظ .. الإسناد إلى اللفظ إلى الضمير، فحينئذٍ أوقعنا في ماذا؟ جئنا على الأصل وهو كونه أسند إلى الفاعل، لكنه صار ضميراً، ولذلك سيأتي عند قوله: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ؛ أنه إذا نصب أو جر لا بد من ضمير مستتر، بخلاف ما إذا رفعت.
إذاً: نقدر أولاً أن ثَمَّ تحويلاً حصل في التركيب، أسند الوصف إلى الفاعل في الظاهر، ثم بعد ذلك قُصدت الإضافة، ولا إضافة إلا بعد إسناد تمشياً مع الأصول العامة والقواعد العامة، حينئذٍ أسندنا الصفة إلى ضمير الموصوف، وهذا باعتبار التقدير فحسب. لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه، عنه عن اللفظ نفسه وإلا الأصل هو فاعل. حسنٌ الوجهُ مثلاً، حينئذٍ الوجه هذا فاعل، فإذا أردنا الإضافة لا بد أن نجعل (حسنٌ) مسنداً إلى ضمير، ضمير ماذا؟ يعود على الفاعل، ثم بعد ذلك نجعل الفاعل الذي كان فاعلاً في اللفظ والمعنى نجعله فاعلاً في المعنى فحسب، وأما في اللفظ فهو مضاف إليه.
تحويل إسناده عنه إلى ضمير الموصوف بدليلين. الذي دل على أن هذا التحويل حاصل دليلان:
الأول: أنه لو لم يقدر كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن حسنٌ الوجهُ، الوجهُ موصوف، وحسن: صفة، وسبق أن إضافة الموصوف إلى صفته والعكس من إضافة الشيء إلى نفسه، حينئذٍ لا بد من التحويل؛ لئلا نُضيف الشيء إلى نفسه.