وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ؛ لأن من كتب أبوهُ لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد وهو قبيح.
إذاً: عرفنا لماذا جاز: حسنُ الوجهِ وقبُح: كاتبُ الأبِ؟ (حسنُ الوجه) نقول: هذا مجاز قريب، أو (حسنةُ الوجهِ) مجاز قريب؛ لأنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وهو مستعمل في لسان العرب.
وأما (كاتبُ الأبِ) على أن يجعل الوصف كاتب للابن؛ نقول: هذا فيه ارتكاب مجاز بعيد جداً يحتاج إلى إضافات ونحو ذلك، وهذا قبيح.
وقد تبين: أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة. وهذا رد على اعتراض ابن الناظم على تعريف أبيه؛ لأنه قال:
صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ
متى نقول صفة مشبهة؟ إذا اسْتُحْسِنَ جَرُّ الفَاعِلِ بِهَا. متى يستحسن جر الفاعل بها؟ إذا كانت صفة مشبهة، إذا فيه دور، فاعترض ابن الناظم على أبيه، والنظر هنا نقول: الصواب أن النظر في المعنى، ثم نحكم عليه بكونه صفة مشبهة، فلا دور.
وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة، حينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح الذي هو ابن الناظم. قيل: إذا قيل الشارح في أي فن فيريدون به أول شارح للمتن. دائماً يقولون: الشارح، قال الشارح، ما ينصون عليه، مرادهم بهذا الاصطلاح -في كل فن: الشارح .. إلا إذا اصطلح اصطلاحاً خاصاً-؛ فينصرف إلى أول شارح للمتن وهو ابن الناظم، لكن هذا يخالف ما ذكره في كشف الظنون: أن أول شارح هو ابن مالك رحمه الله، ابن مالك شرح الألفية لكنه ما واصلها، وهذا قد يجري على القاعدة التي عند بعض أهل العلم: أن كل من شرح متنه فالظاهر أنه يكون مهجوراً؛ لأنه لا يأتي بالدرر التي يأتي بها غيره، يعني: يأتي بشرح تعليق أشبه ما يكون فك عبارة أو نحو ذلك، وأما الاعتراضات ونحو ذلك فلا تكون من نفس الشارح؛ لأنه لا يتصور أنه يعارض نفسه ويجيب ويرد .. إلى آخره، ويأتي بمناظرات ويجادل، وإنما هذا يتصور في الغير، أما الذي يشرح كتابه فالغالب أنه لا .. استثنى بعضهم النزهة .. نزهة النظر، بعض الإخوة يقولوا: النزهة تخالف.
على كلٍ؛ هذه قاعدة عامة، وابن مالك شرح ألفيته، لكن اصطلاح النحاة إذا قيل: الشارح؛ خاصة في شروحات الألفية فيعنون به ابن الناظم.
وحينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها إلى الفاعل. هذا باعتبار النظر.
واستحسان إضافته إلى الفاعل متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة. والصواب: أن الحكم بكونه يستحسن جر فاعل موقوف على المعنى .. النظر لا على اللفظ.
صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ
صِفَةٌ: مبتدأ.
وجملة: اسْتُحْسِنَ؛ هذه صفة.
جَرُّ: هذا نائب فاعل.
اسْتُحْسِنَ: مغير الصيغة.
وجَرُّ فَاعِلِ: مضاف ومضاف إليه، وجَرُّ: هذا نائب فاعل.