فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ، أي كثيراً ما يحوَّل اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة لقصد المبالغة والتكثير، هو في نفسها من جهة المعنى لا شك أن المراد بها التكثير يعني تكثير وقوع الحدث، مرة بعد مرة بعد مرة، ولا أقصى له لحده من جهة العلو، وضارب يدل على وقوع ضرب واحد، هذا الأصل فيه، وضرَّاب ومضراب يدل على كثرة، كذلك فعيل عليم وفعل حذر، نقول: هذا يدل على الكثرة، هذا من جهة المعنى.
اسم الفاعل حُوِّل إلى هذه الأمثلة الخمسة، ولذلك يقال بأنها محولة، وحوِّلت كما ذكر ابن مالك في التحفة كما سبق أن المراد هنا المعنى، لوحظ المعنى دون اللفظ، فحوِّل فاعل اسم الفاعل، إذن هذه الأمثلة الخمسة مراعاة للمعنى، مع كون فعَّال ومِفعَال وفَعُول وفعِيل وفعِل ليست موافقة للفعل المضارع في اللفظ، ولذلك قوى مذهب الكوفيين أن وجه الشبه هو المعنى لا الصورة، يعني اسم الفاعل إنما عمل لأنه أشبه المضارع في المعنى .. في الدلالة على الحدث والحال والاستقبال. وأما في الصورة لا!! لماذا؟ بدليل الأمثلة المبالغة لأنها تعمل عمل اسم الفاعل وهي موافقة للمضارع في المعنى لا في اللفظ، وهذا قوي. أي كثيراً ما يحول اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة بقصد المبالغة والتكثير.
ومعنى كون فعَّال وما بعده بديلاً عن فاعل، أن فاعلاً لما كان لا يفيد الكثرة، ناب عنه في إفادتها فعَّال ونحوه وما عُطف عليه.
إذن ضارب وفاعل وكل كلمة كانت على وزن فعِل لا تدل على كثرة وقوع الحدث، وإذا أردنا الكثرة حينئذٍ جئنا بواحد من هذه الأمثلة الخمسة.
فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ ... فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ، قال: عن فاعل، وفاعل هذا اسم فاعل من الثلاثي، وسيأتي أن غير الثلاثي اسم الفاعل منه على وزن مُفْعِل.
إذن هنا قال: عَنْ فَاعِلٍ لا عن مُفعِل، فهذه الأمثلة الخمسة إنما تكون بديلاً عن فاعل من فعل ثلاثي، وأما ما زاد عن الثلاثي فلا، لا تكون بديلة عنه.
إذن مُفْعِل لا يكون فعَّال وما عطف عليه بديلاً عنه، ولذلك خص الناظم هنا وزن فاعل -هذه إشارة خفية-، عَنْ فَاعِلٍ: نقول فيه فائدة، أن هذه الأمثلة لا تبنى من غير الثلاثي، وهو كذلك، إلا ما ندر لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على زنة فاعل، بل يكون على زنة مُفعِل مُكرم مُنطلق، إلى آخره ...
فَيَسْتَحِقُّ .. الفاء هذه ما نوعها؟ تفريع، لأنه أثبت المساواة أولاً، فعَّال بديلٌ عن فاعل، حينئذٍ فرَّع عن هذه المساواة كون البديل يأخذ حكم المبدل منه، قال: فيستحق، ما هو الذي يستحق؟ فعَّال وما عُطِف عليه فَيَسْتَحِقُّ، وهنا ما قال: فتستحق، لأنها أوزان فهي مؤنثة، تأويلاً بما ذُكر، فَيَسْتَحِقُّ ما ذكر، وإلا لقال فتستحق.
فَيَسْتَحِقُّ أي فيثبت له ما له من عمل .. فيستحق الذي له .. الذي كائن له من عمل، مِنْ عَمَلِ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بيان لـ (ما)، فـ (من) هنا بيانيه وسبق أن (من) البيانية إذا كانت من المعرفة أعربت حالاً، وإذا كانت من النكرة أعربت صفة.