إذاً: التعقيب هنا تعقيب كل شيء بحسبه، كذلك المقارنة هنا في الحال مقارنة كل شيء بحسبه، فحينئذٍ مقارنة لفظ للفظ وقوعه عقبه، إذاً: مُصَلِّياً، نقول: هذا حال من فاعل أحمد، وهي حال مقارنة على الأصل فإن امتنع حمله على مقارنة بحسب كل شيء بحسبه نقول: نؤولها إلى أنها حال مقدرة، وإذا كانت كذلك فهي التي يتأخر مضمونها عن مضمون عاملها.
مُصَلِّياً: ما المراد بالصلاة هنا؟ أي: طالباً من الله صلاته، والصلاة عند الجمهور بمعنى: الرحمة، صلاة الله تعالى على الخلق العباد بمعنى: رحمتهم، وصلاة الملائكة بمعنى: الاستغفار، وصلاة الآدميين بمعنى: الدعاء، هذا المشهور عند الجمهور، ولكن ابن القيم رحمه الله تعالى يأبى ذلك فيفسر الصلاة بمعنى: الثناء، صلاة الله تعالى على عبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
مُصَلِّياً: هذا مفرد، والصلاة إما تكون جملةً إنشائية من حيث المعنى، خبرية من حيث اللفظ، وهذا المفرد لا يمكن أن يوصف بكونه خبرياً أو إنشائياً؛ لأن الوصف بالخبر والإنشاء إنما يكون للكلام، الذي هو المركب من مسند ومسند إليه، وهنا مصلياً: هذا مفرد، لكننا نقول: هو مفرد في قوة الجملة.
مُصَلِّياً: أي طالباً من الله صلاته، أي: رحمته، أو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى.
عَلَى النَّبيِّ: جار ومجرور متعلق بقوله: مصلياً، وهذه رواية المشارق على النبي، ورواية المغارب: على الرسول كما هو موجود في بعض النسخ، على النبي: النبي: هو إنسان أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه على المشهور عند الجمهور، فإن أمر به، يعني: بالتبليغ، فهو رسول، فكل رسول نبي ولا عكس، وقيل: النبي من أرسل إلى قوم موافقين، وإن كان بإيحاء كتاب جديد، والرسول: من أرسل إلى قوم مخالفين، يعني: محاربين مضادين منكرين لدعوته، هذا قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والنَّبيِّ: مشتق من النبوة أو من النبه، كلاهما معنيان صحيحان.
عَلَى النَّبيِّ يعني: إذا قيل بأنه مشتق من النبأ، والنبأ: قيل مرادف للخبر، وقيل: بأنه الخبر العظيم، والثاني مردود بقوله تعالى: ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)) [النبأ: 1 - 2] فوصفه، فلو كان دالاً عليه لما صح الوصف، وإذا كان من النبأ فحينئذٍ النبي فعيل، نبييءُ وقعت الهمزة متطرفة، فقلبت ياًء ثم أدغمت الياء في الياء، فالأصل: فعيل .. نبيئٌ، نبيئٌ: نبيئ: هذا إما أن يأتي بمعنى اسم الفاعل وإما أن يأتي بمعنى اسم المفعول، فإما أن يكون مُنبِئاً أو مُنَبَئاً وكلاهما ثابتان في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مُخبِرٌ عن الله عز وجل للخلق، وهو مُخبَرٌ عن لله عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام.
وإما أن يكون مأخوذاً من النبوة، وهي: الرفعة، وأيضاً هذا المعنى صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوع الرتبة لكونه سيد البشر، وبإحياء الرب جل وعلا إليه، يعني: بإنزال الوحي، فإذا كان كذلك حينئذٍ فعيل من النبوة، إما أن يكون بمعنى فاعل وإما أن يكون بمعنى مفعول، فإذا كان بمعنى: فاعل فهو رافع رتبة من اتبعه، وإذا كان بمعنى مفعول فهو مرفوع الرتبة لكونه منبأ عن الرب جل وعلا.