النوع الثاني من اسم المصدر: ذي ميم زائدة، يعني ماكان مبدوءاً بميم زائدة، لغير مفاعلة كالمضرَب والمحمَدة، مضرَب ومحمدة، وهذا كالمصدر اتفاقاً، يعني يعملُ عكسَ الأول، إذن طرفان ووسط، طرفٌ لا يعملُ اتفاقاً، وطرفٌ يعمل اتفاقاً، وهو ما كان مبدوءاً بميم زائدة، هذا يُعنوِنُ له النحاة بأنه اسمُ مصدر، والصحيح أنه مصدر، وهو الذي يُسمّى بالمصدر الميمي، وهذا سبقَ تفصيله في شرح النظم المقصود.
وسيأتي أنه مصدرٌ لا اسم مصدر، والاحترازُ بغير مفاعلة من نحو: مضاربة، من قولك: ضارب مضاربة فإنها مصدر، وهذا لا إشكال فيه لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَه، الميم هنا زائدة لأي شيء؟ للدلالة على المفاعلة، حينئذٍ نقول: دالة على الفاعل لا إشكال فيه وهي مصدر، وأما الميم الزائدة لغير المفاعلة كالمضرب والمحمدة نقول: هذه ليست هي الميم التي في مضاربة، ومقاتلة، ومشاركة .. تلك دالة على المفاعلة، وهي مصدر قطعاً، وهذه قيل بأنها اسم مصدر لا مصدر، والصواب أنها مصدر، حينئذٍ لا يدخلُ في هذا النوع.
والاحترازُ بغير مفاعلة من نحو: مضاربة، لقولك: ضارب مضاربة فإنها مصدر.
وهذا قلنا يعملُ وِفاقاً؛ لأنه مصدر في الحقيقة.
الثالث: لا هذا ولا ذاك، يعني ما لم يكن علماً وما لم يكن مبدوءاً بميم زائدة مثل: عطاء، وكلام، وسلام إلى آخره، هذا محلّ خلاف بينَ النحاة. وغير هذين فيه خلاف فمنعَه البصريون وأجازَه الكوفيون، والصوابُ الجواز لورود السماع، فإذا صحَّ السماع في لغة العرب، حينئذٍ حكمنا به ولو بقلة، حينئذٍ نقول: اختلفوا في النوع الثالث وهو ما لم يكن علماً كفجار ولا مبدوءاً بميم زائدة لغير مفاعلة، هذان نوعان متقابلان، الأول ممنوع اتفاقاً، والثاني جائز اتفاقاً، والخلاف هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ والصواب أنه مصدر، حينئذٍ سقطَ هذا النوع.
ما بينَهما ما ليسَ ذا ولا ذاك، حينئذٍ محلّ خلافٍ بينَ النحاة، فمنعَهُ البصريون وأجازَه الكوفيون، والصواب هو الجواز.
إذن: (وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) هذا تابعٌ لما سبق، كأنه ذكرَ في البيتين أمرين اثنين: المصدر، ثم اسم المصدر، والفرقُ بينَهما من جهة اللفظ، إذا قيل بأن المصدر يدلُّ على الحدث مُباشرة، واسم المصدر بواسطة، قد يكون ثَم فرقٌ من جهة المعنى، وأما من جهة الحروف فلا شكّ أن ثَم فرقاً بينهما، ويُشترَط في اسم المصدر في إعماله ما يشترط في المصدر.
ثم قال رحمه الله:
وَبَعْدَ جَرِّهِ الَّذِي أُضِيفَ لَهْ ... كَمِّلْ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ
(وَبَعْدَ جَرِّهِ) هذا مصدرٌ مضاف إلى الفاعل، بعد هذا منصوب على الظرفية مُتعلّق بقوله: ً (كَمِّلْ) كمل بعدَ جرّه الذي أُضيف له.