إذن إعمال اسم المصدر هو المراد، لكن هل كل اسمِ مصدر يعمل؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأن اسم المصدر على ثلاثة أنواع: طرفان ووسط.
الأول: عَلَم اسم مصدر وقع علماً، نحو: يسار، وفجار، وبرة.
يسار وفجار هذه أسماء مصدر، يعني ليست مصادر وإنما هي أسماء مصدر، وهذه لا يعمل منها واحد اتفاقاً، يعني ولا واحد يعمل من هذه المذكورات ولا غيرها اتفاقاً بالإجماع. أن اسم المصدر إذا كان علماً لا يعمل وفاقاً.
قال في الهمع: اسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل (أل)، ولا يقع موقعَ الفعل، ولا يقصد به الشياع، ولا يُوصف، يعني لا يُعطى حكمَ الفعلِ البتة، وإنما يكونُ جامداً لأنه لا يدلُّ على حدث؛ لأنه بالعلمية نقل مِن المصدر كما سُمي فضل رجل، كـ (فضل)، كما قلنا ينقل مصدر ويُسمّى به علم، لما نُقِل حينئذٍ نقول: هل يدلُّ على حدث جاءَ فضل؟ المراد به فضل الزيادة الخير؟ لا. وإنما نقول: صارَ مجرداً عن معناه الأصلي، وهو دلالته على الحدث، فحينئذٍ كذلك اسمُ المصدر إذا صارَ علماً حينئذٍ جُرّد عن معناه، لا يدلّ على حدث، وإذا لم يكن دالاً على حدث حينئذٍ بأي شيء يعمل؟ اسم المصدر كالمصدر، إنما يعملُ إما لشبهه بالفعل وإما لكونه أصلاً للفعل، وهذا وذاك كل منهما يدلُّ على الحدث، إن عملا أو عمل واحد منهما لما فيه من معنى الحدث، وأما إذا صارَ علماً حينئذٍ جُرّد وسُلِب دلالاته على الحدث.
إذن عَلَمٌ هذا النوع الأول، وهذا لا يعمل اتفاقاً، لكن ظاهر كلام الناظم (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) يرِد عليه أو لا؟ أن ندخلَ عليه نقول: عبارته تُوهِم أن العلمَ من أسماء المصادر يعمل؛ لأنه أطلقَ قال: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) قيل به يرِد على الناظم، وإذا أردنا أن نعتذرَ نقول: شرطَ في المصدر أن يحلّ محلّه فعل مع (أن) أو (ما)، فقلنا في المقدمة: أن هذين الشرطين أو أن هذين الحالين كونه مضافاً أو مجرداً أو مع (أل)، كما هو الشأن في المصدر هو كذلك في اسم المصدر، الشرط الثاني: إِنْ كَانَ فِعْلٌ .. إلى آخره كما أنه شرطٌ في المصدر كذلك هو شرطٌ في اسم المصدر، وما كان علماً لا يصحُّ أن يقعَ موقع فعل لا مع (أن) ولا مع (ما)، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يردُ على الناظم، فيصير قوله: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) مُقيّد بقوله: (إِنْ كَانَ فِعْلٌ) إلى آخره.
والعلم .. اسم المصدر العلم لا يتأتى فيه ذلك، إذن لا يرد على الناظم وهذا أجود.
وهذا النوع وإن كان ظاهر إطلاقِ المتن عمله إلا أنه يُقال: كلام الناظم مُقيّد بما قيّد به المصدر من كونه يصلح في موضعه (أن) أو (ما) والفعل.
واسم المصدر العلم ليس كذلك، حينئذٍ لا يرد على الناظم، فقوله: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) مع الشروط السابقة، وهو كونه أن يصحّ حلول (أن) والفعل، و (ما) والفعل محلّه، فإن لم يصلح حينئذٍ نقول: هذا لا يعمل، واسم المصدر العلم كفجارِ ويسارِ وبرة نقول: هذا لا يصلح أن يحلّ محلّه الفعل مع (أن) ولا مع (ما).