الشاهد في قوله: عَطائِكَ؛ لأن عطاء اسم مصدر، وهذا محلُّ وفاقٍ بينَ النحاة أن عطا بفتح العين وحذف الهمزة اسم مصدر، ولذلك قال ابنُ عقيل: وزعمَ ابنُ المصنف أن عطاء مصدر وأن همزته حُذِفت تخفيفاً وهو خلافُ ما صرّح به غيره من النحويين، المشهور أن عطاء اسم مصدر وليس بمصدر، والمصدر هو الإعطاء، وإذا ادُّعي بأن الهمزة هنا حُذِفت تخفيفاً لا بدّ من دليل، يعني ادعاء حرف محذوف ونُوي لا بد من دليل، وليس الأمر هكذا مطلقاً.
أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا
(عطاء) أضافَ اسم المصدر إلى فاعله، عطائك أنت، أنت المعطي، إذن أنتَ الفاعلُ فأضافَ اسمَ المصدر إلى فاعله ثم نصبَ به مفعوله وهو المائة؛ فالمائة هذا مفعول لاسم المصدر، ومنه قول الشاعر:
قَالُوا كلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْتَ صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كانَاَ
كلامُك هنداً، (هنداً) هذا مفعول به، لأي شيء؟ لكلام، كلامُ هذا اسم مصدر؛ لأنه لـ (كَلَّم يُكَلِّم كَلاَماً) والأصل التكليم ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] هذا المصدر، فنقصت بعضُ الحروف فلم يُعوض ولم يُنوَ، حينئذٍ حكمنا عليه بكونه اسم مصدر، وهو مُضاف إلى الفاعل (كلامُك أنت) الكاف هذا في محلّ رفع فاعل، وهنداً هذا مفعول به.
ومنه حديث (مِن قُبلةِ الرجلِ امرأتَه الوضوء)، وهذا حديث يذكرونه .. من قبلة الرجل امرأته، (قُبلة) هذا اسم مصدر؛ لأنه من التقبيل (قبَّل يُقبِّل تقبيلاً)، والقُبلة هذه اسم مصدر.
نصبَ (امرأته) أضافَه إلى الفاعل (قبلة الرجل)، الرجل هو الفاعل، امرأته هو المفعول.
وقوله:
إذا صَحَّ عَوْنُ الخَالِقِ الْمَرْءَ، لَمْ يَجِدْ ... عَسيراً مِنَ الآمالِ إِلاَّ مُيَسَّرا
إذا صحَّ عونُ الخالق، (عون) هذا اسم مصدر (أعانَ يُعين إعانة) إعانة هذا المصدر إعانة مثل: إعطاء.
(عون) نقول هذا اسم مصدر؛ لأنه حُذِف بعضُ حروف الفعل ولم يُعوّض ولم يُنوَ، والخالقُ هذا فاعل، والمرء هذا مفعول به، أُضيف اسمُ المصدر إلى فاعله ونصب المفعول به
بِعِشْرَتِكَ الْكِرامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ ... فَلاَ تُرَيَنْ لِغَيْرِهِمِ أَلوفا
(بِعِشْرَتِكَ) عِشرة (عاشرَ يُعاشِرُ معاشرة)، هذا الأصل بعشرتك إذن نقصَ من حروف الفعل، عشرتك الكرام، عشرتك أنت، أضافَ اسمَ المصدر إلى فاعله ونصب به الكرام.
إذن دلّت هذه الشواهد على أن اسمَ المصدر يعملُ، ويكفي فيه ما ذُكر.
وحينئذٍ مَن قال بأنه شاذٌّ إن أرادَ به أنه قليل ويُستعمل لا إشكال فيه، وإن أرادَ به أنه شاذ بالمعنى الخاص بمعنى أنه لا يُقاس عليه وما وردَ في لسان العرب يُؤول، قلنا: ليسَ الأمر كذلك، بل الصواب أنه يعملُ عملَ فعله كالمصدر؛ لأن مدلوله الحدث سواء قلنا بواسطة أو بدون واسطة.
وإعمالُ المصدرِ قليلٌ ومَن ادعى الإجماع على جواز إعماله فقد وَهِم، فإن الخلاف في ذلك مشهور، وقال الصيمري: إعمالُه شاذ، وقال ضياءُ الدين بن العلج في البسيط: ولا يَبعُدُ أن ما قامَ مقامَ المصدر يعمل عمله، قام مقام المصدر يعني به اسم المصدر، ونقل عن بعضهم أنه قد أجازَ ذلك قياساً.