(وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ). اسم المصدر عرّفَه في التسهيل بقوله: هو ما ساوى المصدرَ في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه من بعضِ ما في فعله دون تعويض. ذكرَ أمرين؛ أمراً من جهة المعنى وأمراً من جهة اللفظ، فوافق اسمُ المصدرِ المصدرَ في الدلالة على الحدث، هذا ظاهر النظم، أن اسمَ المصدر يدلّ على الحدث كما أن المصدرَ يدلّ على الحدث، إذن ما يدلّ على الحدث قد يكونُ مصدراً وقد يكون اسمَ مصدر، اتفقا في الدلالة على الحدث، ولذلك قال: اسم ساوى المصدر، وعرفنا أن المصدرَ هو اسم الحدث الجاري على فعله، (ضرب) مسماه عين الحدث، حينئذٍ اسم المصدر نقول: مُسماه عين الحدث، فالتكليم مصدر، مُسماه عين الحدث، والكلام اسمُ مصدر وافقَ المصدرَ في الدلالة على الحدث، إذن كلّ من التكليم والكلام يدلان على الحدث، هذا ظاهرُ كلام ابن مالك رحمه الله تعالى في التسهيل: ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وما هو معنى المصدر؟ هو الحدث.

إذن كلٌّ منهما المساوَى والمساوِي كلٌّ منهما دالٌّ على الحدث. أي معنى المصدر وهو الحدث، وبهذا أخرجَ نحو الدهن والكحل مما فيه حروفُ الفعلِ لكنه لا يدلّ على حدث، كحَل العين الكحل، دهَن الرأس الدهن، إذن الدهن والكحل نقول: هذان لفظان فيهما حروف الفعل، لكن هل هما مصدران أو اسما مصدر؟ نقول: لا، لكونه .. وإن وافقَ الفعل في الحروف كما في (كلّم تكليماً، وسلّم تسليماً، وأعطى عطاء) اسم المصدر وإن وافقَه في الحروف كلها وهو المصدر أو في بعضها وهو اسم المصدر، إلا أنه لا يدل على الحدث، فكلّ ما وافقَ الفعلَ ولم يدل على الحدث فليسَ بمصدر ولا اسم مصدر. فإن كلاً منهما وإن اشتملَ على حروف الفعل لم يدلّ على الحدث بل على ذات، فالكحلُ مُسماه عينُ الكحل الذي تُكحل به العين، وكذلك الدهن نفس ما يُدهن به الرأس يُسمى دهناً، فمُسمّاه ذات وفرق بين أن يكون المسمى ذاتاً وبينَ أن يكون حدثاً.

إذن كلٌّ من المصدر واسم المصدر يدلان على الحدث، مُقتضاه حينئذٍ نقول: أن موضوع اسم المصدر الحدث كالمصدر، والذي يدلُّ عليه قولُ النحاة قاطبة: اسم المصدر، لو نظرتَ في اللفظ اسم المصدر، اسم المصدر مضاف ومضاف إليه، يدلُّ على أن اسم المصدر اسم للمصدر، فحينئذٍ ليسَ مدلوله الحدث على هذا الثاني، وإنما مدلولُه المصدر لفظُ المصدر، وهو قولٌ ثان في المسألة، ما مدلول اسم المصدر؟ نقول قولان: ابنُ مالك رحمه الله تعالى وكذلك ابنُ هشام في سائر كتبه ذهبا إلى أن مدلول اسم المصدر هو الحدث، حينئذٍ ساوى المصدر، كلٌّ منهما يدلّ على الحدث، وذهبَ بعضهم إلى أن اسم المصدر مدلوله لفظ المصدر، وجزمَ أبو حيان بأن موضوع اسم المصدر المصدر نفسه، وهو القول الثاني في المسألة، وهذا أظهرُ، فحينئذٍ يكون الكلام مُسمّاه التكليم، والتكليم مُسماه الحدث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015