إذن: النتيجة أن اسمَ المصدر يدلّ على الحدث، ولكن بواسطة المصدر، حينئذٍ من عبّر عن كون اسم المصدر يدلّ على الحدث وهو يرى أن اسمَ المصدر اسم للمصدر اللفظي، حينئذٍ يُؤول كلامه بأنه أرادَ ما يدلُّ على الحدث بواسطة المصدر، فمن قال بأن الحدثَ مدلول المصدر واسم المصدر، ودلالة اسم المصدر على الحدث بواسطة المصدر صحَّ تعبيره كذلك، وإذا أرادَ الثاني بأنّ كلاً منهما يدلُّ على الحدث مُباشرة، حينئذٍ نقول: هذا فيه نظر، والصواب أن يُقال: أن اسمَ المصدر كاسمه، يعني اسم مُسماه لفظ المصدر.
فالعطاءُ اسم مصدر، مدلوله ومُسمّاه إعطاء، والكلام نقول: هذا اسم مصدر، مدلوله ومُسمّاه تكليم، ثم كلٌّ من العطاء والإعطاء والتكليم مدلولهما الحدث، فحينئذٍ دلَّ اسم المصدر على الحدث بواسطة المصدر، ودلَّ المصدر على الحدث مباشرة بدون واسطة.
إذن قوله: ما ساوى المصدرَ في الدلالة على معناه وهو الحدث، هذا يحتمل القولين، يعني ساوى المصدر في الدلالة لكن بواسطة، بواسطة المصدر، وإن كان ظاهر العبارة تشيرُ إلى الثاني.
وخالفَه بخلوّه من بعض ما في فعله دون تعويض، هذا نظر في اللفظ، يعني اسم المصدر يُخالِف المصدر من حيث اللفظ، بأنه ينقصُ منه بعض حروف فعله الأصلية أو الزائدة، ويُشترَط في المصدر بأن لا يكون مصدراً إلا إذا كان مُساوياً للفعل في حروفه الأصلية والزئدة، فإن نقصَ عن الحروف الأصلية أو الزائدة فإمّا أن يُعوَّض عنه أو لا، فإن عُوِّض عنه فهو مصدر على الأصل، فإن لم يُعوّض عنه فإمّا أن يُنوى أو لا، فإن نُويَ حينئذٍ هو مصدر، وإن لم يُنوَ فهو اسم مصدر.
إذن من حيث المعنى حينئذٍ مَن قال بأن دلالة كلٍّ منهما الحدث متساويان، ومن حيث اللفظ لا، ثَم فرقٌ بينهما. المصدر يكون مُساوياً في الحروف العدد، كل حرف أصلي في الفعل لا بد أن يكون موجوداً في المصدر، وكلّ حرف زائد في الفعل لا بد أن يكون موجوداً في المصدر، فإن لم يُوجَد كل من الأصل والزائد نظرنا فإن حُذف وعُوِّض عنه كوعد هذا مأخوذٌ من الوعد، نقول المصدر: عِدة، هذا مصدر كذلك، حينئذٍ نقول: حُذِفت الواو وعُوّض عنها التاء، إذن حُذِف وعُوِّض عنه، فإن حُذِف من الفعل أصل وعُوض عنه التاء حينئذٍ نقول: باقٍ على مصدريته فهو مصدر، كذلك إذا حُذِف ولم يُعوّض عنه حينئذٍ إن نُوِي الحرف الذي لم يُذكر في المصدر حينئذٍ نقول: هو مصدر، مثل قاتل قتالاً .. قَاتَ .. بين القاف والتاء ألفٌ، وتقول في المصدر (قِتَا) أين الألف؟ محذوفة، لكنها منوية بدليل قِيتالاً، سُمع قِيتالاً فدلَّ على أنها .. الألف حُذفت ونُويت، إذن هذا مصدر أو اسم مصدر؟ نقول: مصدر، وإن نقصَ من حروف الفعل؟ وإن نقص، لماذا؟ لكونه حُذف لكنه مَنوي، فإن لم يكن هذا ولا ذا حينئذٍ تعيّنَ أن يكون اسمَ مصدر، هذا الذي أراده بقوله: وخالفه، يعني خالفَ اسمُ المصدرِ المصدرَ بخلوّه لفظاً وتقديراً، إن خالفه بخلوّه لفظاً وتقديراً حينئذٍ حكمنا عليه بكونه اسمَ مصدر، فإن خالفَه بكونه سقطَ منه بعضُ الحروفِ لفظاً لا تقديراً فهو مصدر على الأصل.