أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً ... وَنَارٍ توقَّدُ بِاللَّيلِ نَاراً
و (نارٍ) هذا معطوف على قوله .. إذا قلت: امرئ حينئذٍ رجعت المسألة إلى مسألة العطف على معمولين لعاملين مختلفين، هذا يأتي في باب النسق، هذا ممنوع، فحينئذٍ يتعين أن يكون (نار) هذا مضاف إليه، والمضاف محذوف.
أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً وَنَارٍ: يعني: وكل نار.
هل وُجِد الشرط المجوِّز للحذف وإبقاء المضاف إليه كحاله؟ نعم، لكونه عُطِف على مثله، وهو (مثل) في المثال الأول و (كل) في المثال الثاني.
والتقدير و (كل نار) فحذفَ (كل) وبقي المضاف إليه مجروراً كما كان عند ذكرها، والشرط موجود وهو العطف على مماثل المحذوف وهو كل في قوله: أكل امرئ.
وهو له تعليق سيأتي في باب العطف والنسق؛ لأنه يلزمُ العطف على معمولي عاملين مختلفين، وهذا يأتي شرحه في محله.
وقوله كذلك:
وَلمْ أرَ مِثْلَ الخَيْرِ يَتْركُهُ الفَتَى ... ولاَ الشَّرِّ يأتِيهِ امرؤٌ وَهْوَ طَائِعُ
يعني و (لا مثل الشر)، ولم أرَ مثل الخير: مفعول به، مثل مضاف والخير مضاف إليه.
قال: ولا الشر يعني ولا مثل الشر، حينئذٍ جُوّزَ حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله الجرّ؛ لكونه معطوفاً على مماثل له في اللفظ والمعنى، أن يكون لفظُ المضاف المحذوف معطوفاً على لفظ مثله، مثل لفظ كل هنا ومثل.
وقد يُحذَف المضاف ويبقى المضاف إليه على جرّه والمحذوف ليسَ مماثلاً للملفوظ بل مقابل له كقوله تعالى: ((تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ)) [الأنفال:67] في قراءة مَن جرَّ (الآخِرَةِ) والتقدير (والله يريد باقي الآخرة)، على خلاف في التقدير، ومنهم من يقدّره (والله يريد عرض الآخرة)، وهذا أظهرُ، فحينئذٍ صارَ الشرط متحققاً وهو عطف على مثل المحذوف.
فيكون المحذوف على هذا مُماثلاً للملفوظ به والأول أولى، والعكس هو الأولى، يعني الذي يخالف ترجيحَ ابن عقيل هو أرجح.
وقد لا يكون المضاف معطوفاً بل المعطوف جملة فيها المضاف.
إذن: وَرُبَّمَا جَرُّوا أي: استداموا الجرّ، يعني الذي كان قبل حذفِ المضاف؛ استدامَه العربُ بعد حذف المضاف فهو عينه، والعامل فيه المضاف المحذوف، فحينئذٍ لما نُوِي لفظه صحَّ أن يكونَ عاملاً في المذكور، وهذا وجهٌ ضعف فيه، أنه يُحذَف المضاف وعمل المضاف فهو ملفوظ فيه ضعف؛ لأنه اسمٌ جامد، فحذفُهُ حينئذٍ يزيد به ضعفاً.
وَرُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ الَّذِي أَبْقَوْا: أبقوه الضمير هنا هو العائد على الذي؛ لأن جملة الصلة يُشترَط فيها أن تشتمل على عائد يعود على الموصول، وهنا محذوف.
كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: الذي تقدّم وهو المضاف.
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: يعني المضاف مماثلاً لفظاً ومعنى، فإن لم يكن ثَم مُماثِل فلا يجوزُ، فإن كان ثَم مماثل في المعنى لا في اللفظ فالأصل أنه لا يجوز كذلك.
مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: يعني للذي قد عُطِف هو عليه.
ثم قال: وَيُحْذَفُ الثَّانِى: إذن ما سبقَ يتعلّق بالمضاف، والآن الكلام في المضاف إليه.
وَيُحْذَفُ الثَّانِي فَيَبْقَى الأَوَّلُ ... كَحَالِهِ إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ