هذا حكمُها إن وليها متحرّك؛ يعني أنها تُفتح وهو المشهور وتُسكّن وهي لغة ربيعة، فإن وليها ساكنٌ فالذي ينصبُها على الظرفية يبقي فتحُها فيقول: (معَ ابنك) والذي يبنيها على السكون يكسِر لالتقاء الساكنين فيقول (معِ ابنك)؛ لكن هذا التفصيل ليسَ ظاهر النظم، بل ظاهر النظم أنه نقل الفتح والكسر مطلقاً، ليس الذي يبنيها أو الذي .. ! لا، (معْ) ساكنة عندَ المتأخرين قاطبة، فحينئذٍ كانت ساكنة بناءً؛ فإذا التقى بها ساكنٌ جازَ فيه الوجهان، وأكثرُ الشراح على هذا.
إذن هذا ما يتعلّق بـ (مع) وأنها ملازمة للظرفية، ويجوزُ قطعها إلى الحالية، فحينئذٍ صارت منصوبة على الحالية، وقبلَ ذلك إذا أضيفت كانت منصوبة على الظرفية.
ثم قال:
وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً اِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا
قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أَوَّلُ ... ودُونُ وَالجِْهَاتُ أَيْضاً وَعَلُ
وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا
هذا شروعٌ فيما يسمى بالغايات.
وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ: (وَاضْمُمْ) ضم بناء، حينئذٍ يكون مفعولاً مطلقاً، والموصوف محذوف، أو (وَاضْمُمْ بِنَاءً) حال، حال كونك بانياً.
(غَيْراً) هذا منصوب على المفعولية.
وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً: إذن غير هذه من الألفاظ التي تلازِم الإضافة، يعني لا بدّ أن تكونَ مُضافة إلى ما بعدَها، ثم لها أحوال.
أي من الكلمات اللازمة للإضافة (غير)، (غير) من الكلمات الملازمة للإضافة، وهي اسم دال .. هي اسم لا إشكال فيها؛ لأنها مُضاف .. تُضاف، وسبقَ أن المضاف يكون مِن علامات الاسمية، يعني لا يكون المضاف إلا اسماً، ولذلك تُنوّن، قبضتُ عشرة ليس غيرٌ، ليس غيراً .. والتنوين دليلٌ على الاسمية.
إذن: هي اسمٌ دال على مخالفةِ ما قبلَه حقيقةَ ما بعدَه، النحاة يمثِّلون بـ (زيدٌ غيرُ عمروٍ)، والأصلُ في إطلاق لفظ الحقيقة .. وهو مصطلح مأخوذ من عند المناطقة أنه مُرادف للماهية، الحقيقة والماهية بمعنى واحد، لكن لا يمكن حمل اللفظ هنا حقيقة على الماهية، وإنما يُراد به مفهوم اللفظ، لماذا؟ لأننا لو طبقناه على المثال المشهور عندَ النحاة (زيدٌ غيرُ عمروٍ)، حقيقة (زيد) حيوان ناطق، وغير (عمرو)، (عمرو) حقيقته حيوان ناطق، وهل المخالفة هنا صادقة أم لا؟ ليست بصادقة بل هي كاذبة، لماذا؟ لأن زيد وعمرو مُتّحدان، كلٌّ منهما إنسان، وكلٌّ منهما حيوان ناطق، إذن ما وجه المخالفة؟ لا بدّ أن نفسّر بأن الحقيقة هنا ليست هي الحقيقة عندَ المناطقة، وقد نصَّ على ذلك الأزهري في شرح التوضيح.