فحينئذٍ نقول: مُعربة بالفتح على المشهور، وهي التي أطلقها الناظم و (مع)، وهي في لغة ربيعة وغنْم، نقول: هي مبنية على السكون، مبنية لجمودها .. للزومها الظرفية، وقيل: لتضمّنها معنى المصاحبة، وهو مِن المعاني التي حقّها أن تُؤدّى بالحرف ولم يوضع لها حرف كالإشارة، إذن لم بُنيَت عندهم؟ قالوا: لأنها هي اسم ولا شك في ذلك، لذلك يدخلها التنوين وسبقها حرفُ جرّ على القراءة السابقة، وحكاية سيبويه فدلَّ على أنها اسم، فحينئذٍ هي اسمٌ لا إشكال فيه، لم بُنيت والأصل في الاسم الإعراب مع كونها على ثلاثة أحرف؟ إذا قيل: بأنها ثنائية في الأصل أشبهت الحرف، وإذا قيل بأنها ثلاثية حينئذٍ نحتاج إلى معنى، فنقول: المصاحبة كالإشارة، كالتمني، كالتشبيه .. معنى مِن المعاني فيحتاج إلى حرفٍ يؤدّى به، فحينئذٍ (معْ) بإسكان العين مبنية لتضمّنها معنى حرف كان حقّه أن يُوضع ولكنه لم يُوضع مثل الإشارة، قلنا (ذا) اسم إشارة مبني لتضمّنه لحرف، هذا الحرف لم يُوضَع؛ لأن الإشارة معنى من المعاني وحقّها أن تُؤدّى بالحروف.
والقولُ ببنائه إذا سكنت قولُ الكسائي واختارَه المتأخرون مِن النحاة، يعني أكثر المتأخرين على التفصيل، من أن (مع) تكون معربة وتكون مبنية، وعلى السكون لأنه الأصل في البناء وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا، إذن لا يُسأل لماذا سُكنت وإنما يسأل لماذا بُنيت؟ فقيل: لجمودها لأنها تلازم الظرفية، وقيل: لتضمّنها معنى حرفٍ لأنها تدلُّ على المصاحبة، والمصاحبة معنى من المعاني فالأصل أن يُؤدّى بحرف كالإشارة، لكنه لم يُوضَع كما أنهم لم يَضعوا للإشارة حرفاً يُؤدّى به.
وزعمَ بعضهم أن ساكنة العين حرف، وادّعى النحاسُ الإجماع على ذلك وهو فاسد، بل الصواب أنها اسمٌ، بدليل دخول التنوين، فلا نحتاج إلى دليل. فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم؛ لأن المعنى في الحالين واحد، المعنى في الساكنة وفي المتحركة واحد وهو: الدلالة على المصاحبة، ومع تدلُّ على المصاحبة.
حينئذٍ اتفقا في المعنى ولا يمكن أن يتفقا في اللفظ، بأن كون الأول دلّ على المصاحبة وهو اسم، والثاني دلَّ على المصاحبة وهو حرف! لا، هذا ليس بسديد، لا نظير له، وإذا كان الشيءُ لا نظير له فحينئذٍ يُعدَل في حمله على ما له نظير، هذا الأصل وهذه القاعدة عند النحاة، فإذا كان كذلك الأولى حمله مع إذا اختلفنا فيها هل هي اسم أو حرف؛ لأنها أشبهت مع المعربة في كونها تدلّ على المصاحبة .. ليس أشبهت بل هي مدلولها مدلول مع، معربة حينئذٍ نقول: هي اسمٌ بدلالة (مع) المعربة.
لأن المعنى في الحالين واحد، والمعنى الواحدُ لا يكون مستقلاً وغير مستقل، كيف مستقلاً وغير مستقل؟ لأن (مع) إذا قلنا اسمٌ معرَب بالفتح، حينئذٍ يصدُق عليها حدّ الاسم؛ وهو: كلمة دلّت على معنى في نفسها، ثم (مع) حرف ويصدق عليها حد الحرف؛ وهو: كلمة دلّت على معنىً في غيرها، فكيف يكونُ اللفظ واحداً ثم يكون المعنى واحداً، ودلّ باستقلال ودلّ بغير استقلال، هذا لا نظيرَ له، فلا يُحمَل على هذا التفريق؛ فهو باطل.