حينئذٍ نقول: المراد بزيدٍ هنا مفهوم اللفظ، والمراد بعمرو مفهوم اللفظ، فحقيقةُ زيد -التي هي إنسان مع علاماته المشخِّصة له- غير حقيقة عمرو الذي هو إنسان بحقيقته وعلاماته المشخّصة له، فزيد غير عمرو حصلت المخالفةُ في الحقيقة، لكن ليست في الماهية، وإنما زيدٌ ليس عمر؛ إما في طوله وعرضه، وإما في علمه وجهله .. إلى آخره، فثَم مُشخّصات للإنسان تميزه عن غيره، وأطلقَ النحاةُ عليها بأنها حقيقة وإلا هي ليست بحقيقة، ولذلك قد يتّحدُ الشيء وتحصل به المخالفة، قد يُقال: (دخلتَ بوجهٍ غير الوجهِ الذي خرجتَ به)، وزيد وعمرو شخصان منفصلان، أما هنا فالمحلّ واحد، دخلتَ بوجه غير الوجه الذي خرجتَ به، وجه آخر أم عين الأول؟ عين الأول.
إذن قد تكونُ المخالفة في الذوات وقد تكون المخالفة في الصفات، المخالفة في الذوات (زيد كعمرو)، والمخالفة في الصفات كالمثال الذي ذكرنا؛ لأن الوجه واحد، حينئذٍ نقول: الشيء الواحد قد يتعدّد بتعدّدِ صفاته، أما هو في نفسه فلا، الوجهُ هو عين الوجه، ولكن قد يكون عبوساً وقد يكون مسروراً.
إذن (غير) اسمٌ دالٌّ على مخالفة ما قبلَه حقيقةَ ما بعدَه، والمخالفة هنا قد تكون في الذوات وقد تكون في الصفات.
(غير) الناظم هنا نصَّ على حالة بنائها، لها حالان: قد تكون مُعربة وقد تكون مبنية، وهي من حيث الإجمال لها أربعة أحوال: لأنها إنما أن يُصرَّح بالمضاف إليه، فتقول: (قبضتُ عشرة ليس غيرها)، أي ليس المقبوض غيرها، هنا صرّحتَ بالمضاف إليه، وقد يُحذف المضاف ويُنوى المضاف إليه، إما لفظاً وإما معنى لا لفظاً، هذه ثلاثة أحوال.
وإما أن تُقطَع عن الإضافة مُطلقاً؛ فلا يُنوى المضاف إليه لا لفظاً ولا معنى، فهذه أربعة أحوال، إما أن يُصرّح بالمضاف؛ فتقول: (قبضت عشرة ليس غيرها)، تنطقُ بالمضاف، وقد تحذفُ المضاف حينئذٍ تنوي معناه، (قبضت عشرة ليس غيرُ)، أو تحذف المضاف وتنوي لفظه، (قبضت عشرة ليس غيرَ) بالنصب دون تنوين.
وقد تحذِفُ المضاف وتقطعُها عن اللفظ والمعنى، وهذه الإفراد المطلق، فحينئذٍ تقول: (قبضتُ عشرة ليس غيراً)، (ليس غيرٌ) يجوز فيها الوجهان.
إذن لها أربعةُ أحوال، المراد بهذا أن الناظم نصَّ على حال واحدة وهي حالة البنا بالمنطوق ويُفهم ما عداه بالمفهوم؛ لأنها إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه حينئذٍ حكمنا ببنائها، هذه حالة واحدة، وما عدا هذه الحال .. وهي الأحوال الثلاث، حينئذٍ نقول: هي مُعرَبة على الأصل.