قال الشارحُ -ابن عقيل-: وأما (مع) فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، يعني تأتي ظرف زمان وظرف مكان، مرادُه بهذا التعبير أن (مع) تأتي ظرف مكان وتأتي ظرف زمان، تقول: جئتك مع العصر، يعني مع وقت العصر، فهي ظرف زمان، حينئذٍ تدلّ على المصاحبة في الوقت .. في الزمن، وتأتي ظرف مكان، ولذلك صحَّ أن يُخبر بها عن الذات، لما جاءت ظرف مكان صحَّ الإخبار بها عن الذات، فتقول: (زيد معك)، زيد مبتدأ، معك مع نقول: منصوب على الظرفية مُتعلّق بمحذوف خبر المبتدأ.
ولا يُخبر عن المبتدأ الجثة باسم زمان، وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا عَنْ جُثَّةٍ، هنا لو كانت اسمَ زمان على القاعدة مذهب جمهور البصريين على أنه لا يجوزُ أن تقول: (زيد معك)، لكن لما كانت ظرفَ مكان صحَّ حينئذٍ كما تقول: (القتالُ أمامك) (زيد معك)، نقول: (معك) هنا ظرف مكان، بدليل صحّة الإخبار بمع عن الجثة؛ إذ لو كان ظرف زمان لما صحَّ هذا التركيب عندَ جمهور البصريين، لماذا؟ لأنّ اسمَ الزمان لا يخبر به عن الجثة كما سبق تقريره عندَ قوله: وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا عَنْ جُثَّةٍ، وأما: وَإِنْ يُفِدْ هذا اختيار الناظم ليس باختيار جمهور البصريين.
قال: وأما (مع) فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، والغالبُ استعمالها مضافة، فتكون ظرفاً بالنوعين السابقين، وعند الرضي أنها تكون ظرفَ زمان ومرادفة لعند، عند قلنا تأتي ظرف زمان وتأتي ظرف مكان، بحسب ما يضاف إليه، فتُجر بـ (مِن) يعني (مع) عند الرضي لما كان في منزلة (عند) قال: تُجرّ بـ (من)، فأوردَ عليه قراءة بعضهم ((هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِيَ)) [الأنبياء:24] فمِن هنا حرفُ جرّ، ومعي يعني ذكر من عندي، فمع هنا بمعنى عند.
وحكاية سيبويه (ذهبتُ مِن مع)، يعني ذهبتُ من عنده، وعندَ لا تُجرّ إلا بمن.
وَعِندَ النَّصبُ فِيهَا يَستَمِرُ ... لَكِنَّهَا بمِن فَقَط تُجَرُّ
نحو (جلسَ زيد مع عمرو) و (جاء زيد مع بكر)، والمشهور فيها فتحُ العين وهي مُعربة، هي كانت مفتوحة العين .. مُعربة، والقول المشهور فيها لا يُنافي أن تكون مبنية، المشهور الفتح، وإذا كانت مفتوحة العين حينئذٍ هي مُعربة ولا إشكال في هذا، ولذلك البناء قليل، ولذلك قيّده ومع معْ فيها قليل، لما قيّده بالقلة فهمنا أن (مع) الأولى هي الأكثر، وهي معربة؛ لأنها ثلاثي الأصل، وفتحتها فتحة إعراب ومِن العرب مَن يسكِّنها ومنه قوله:
فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُم ... وَإِنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُم لِمَامَا
وَهَوَايَ مَعْكُم: سكّنَ العين.
فهنا (مَعْكُم) جاءت في الشعر خاصة، وهي بإسكان العين، فهل هي نفسُها الأولى أم أنها غيرها؟
مذهبُ سيبويه مُطلقاً أنها معربة في كل حال وفي كل لغة، وأوردَ عليه هذا البيت و (هواي معْكم) قال: هذا تسكينُ ضرورة، يعني مِن أجل الشعر خاصة.
وزعمَ سيبويه أن تسكينها ضرورة وليس كذلك، -من المواضع القليلة التي يرد فيها ابن عقيل على سيبويه، هذا الموضع وبشدة-، يقول: وزعمَ سيبويه أن تسكينَها ضرورة وليس كذلك، بل هو لغة ربيعه وغنْمٍ بإسكان النون، وهي عندهم مبنية على السكون.
إذن (مع) الصواب فيها لغتان: الإعراب والبناء خلافاً لسيبويه رحمه الله تعالى.