وهذا ما اختارَه ابن مالك رحمه الله تعالى أن أصل مَع ثلاثية، وأن الألف في معا (جاء الزيدان معا) أن الألف هذه هي أصل الكلمة، كانت محذوفة مع الإضافة فرجعت، وعلّة الحذف هي الاعتباط.
وذهبَ الخليل إلى أن الفتحة فتحة إعراب، (معاً) العين هذه متحركة بالفتح، فتحة إعراب وليس مِن باب المقصور واختارَه أبو حيان، فإذا أُفرِدت خرجَت عن الظرفية وتُنصب على الحال بمعنى جميعاً، وتُستعمل للمثنى وللجمع، يعني تُستعمل للجمع كما تُستعمل للمثنى، حينئذٍ نقول: مع الأصل فيها إذا أُضيفت أن تُعرب بالنصب على الظرفية، فإذا أُفردت بمعنى قطعت عن الإضافة وجبَ نصبها، على أنها حال بمعنى جميعاً، سواء كان صاحب الحال مثنى أو جمعاً.
يبقى الإشكال في حركةِ العين، (جاء الزيدان معاً)، العين هذه هل حركتها حركة إعراب أم حركة بنية، محلّ الخلاف مُنصبٌّ على الخلاف في (مع) هل هي ثنائية الوضع أم ثلاثية الوضع؟ فمَن قال بأنها ثنائية الوضع قال: (معاً) العين هذه حركتها حركة إعراب، وهو قول الخليل.
ومن قال بأنها ثلاثية وهو قول يونس والأخفش قال: بأن هذه العين حركتها حركة بنية، وأن الفتحة مُقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين.
وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ وَنُقِلْ ... فَتْحٌ وَكَسْرٌ: مَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ يعني السكون فيها قليل، ويثبت السكون إذا تلاها متحرك، (جاء زيد معْ عمروٍ، معْ زيدٍ) .. تبقى الساكن كما هي؛ لأن ما بعدَها يكون متحركاً، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الحالة الثانية.
وَنُقِلْ فَتْحٌ وَكَسْرٌ: فرعان، والأصل السكون، إذن الأصل السكون مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ، وَنُقِلْ فَتْحٌ وَكَسْرٌ في التخلص من التقاء الساكنين، وليسا بلغتين مستقلتين، بل هما فرعان عن (معْ) الساكنة، بدليل ماذا؟ أشارَ إلى ذلك الناظم بقوله: لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ، يعني إذا اتصلَ بـ (معْ) الساكنة سكون .. تلاها سكون، حينئذٍ فتح وكسر نقل، في التخلص من التقاء الساكنين.
إذن الناظم يرى أن (معْ) الساكنة إذا فُتحت أو كُسرت صار الفتح والكسر فرعين لا أصلين كما ذهب إليه الشارح وهو المرادي.
وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ وَنُقِلْ فَتْحٌ:
(فتحٌ) إعرابه نائب فاعل، وَكَسْرٌ معطوف عليه، لِسُكُونٍ جار ومجرور متعلق بقوله: يَتَّصِلْ، يتصل بماذا؟ بمعْ الساكنة، يعني يتلوها؛ المرادُ بالاتصال هنا أنه يتلوها، مع القوم، إذن (مع القوم) هذا يحتمل أنها معربة ويحتمل أنها مبنية، لو قال قائل: (جئتُ مع القوم)، مع هنا يحتمل أنها معربة ويحتمل أنها مبنية، مُعربة لأنها محركة بالفتح و (معَ) على الأصل، ويُحتمل أنها ساكنة وحُركت للتخلص بالتقاء الساكنين وكان تحريكه بالفتح طلباً للخفة، فتجوّز هذا وهذا عند الإعراب.