وذهبَ ابنُ مالك رحمه إلى زيادة حرف على ما ذهبَ إليه الجمهور، وهو (في) الدالّة على الظرفية، ونُوزِع في إثبات هذا الحرف، ولذلك قال أبو حيان: ولا أعلمُ أحداً ذهبَ إلى هذه الإضافة غيره، يعني: غير الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، ولكن ردّه السيوطي بأنه ذهبَ إليه الجرجاني وابنُ الحاجب، فهو متابع ليس بمبتدع في هذا الكلام، وإنما سبقَ ابن مالك رحمه الله الجرجاني عبد القاهر وهو البياني المشهور، وابن الحاجب.
إذن: هذه مما زاده ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك قال: وَانْوِ مِنْ: هذا محل وفاق عند الجمهور.
أَوْ فِي: هذا مما انفردَ به ابن مالك تبعاً للجرجاني وابن الحاجب.
إِذَا ... لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ وَاللاَّمَ خُذَا .. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: إذن: هي ثلاثةُ أحرف، زادَ الكوفيون (عند)، يعني: تأتي الإضافة على معنى (عند) تقدر عند، نحو: "هَذِه نَاقَةٌ رَقُودُ الحَلبِ"، يعني: رقودٌ عندَ الحلبِ؛ ليس بحرف هذا، وإنما هو ظرف، وهذا بعيد؛ لأنه لا يُقدّر الظرف وهو محذوف، وإنما تُقدّر الحروف التي حروف المعاني.
إذن: مذهب الجمهور هو ما ذهبَ إليه الناظم هنا من تقدير مِن واللام وزاد عليها (في).
قال: واشتمالُ الإضافةِ المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده، يعني: إذا قيل: وَانْوِ (مِنْ)، ليس المراد أن الأصل أن الكلام مُشتمِل على الحرف، ثم حذف فنُوِي نفس اللفظ المحذوف، لا، وإنما المرادُ هنا كالمراد في باب التمييز والحال والظرف، هذا باب رابعٌ تُضيفه إلى ما سبق.
يعني: يُلاحَظ في العلاقة بين المضاف والمضاف إليه معنى اللام.
ولا يُشترَط فيه أن يلفظ باللام، ولا يُشترَط فيه أن يصلح المقام لأن يلفظ باللام لا، هل المعنى على الملكية والاختصاص أو لا؟ كما نقول في الظرفية هناك في الظرف، هو على معنى (في)، هل المراد هنا (في) نفسها لفظها أن ينطق بها؟ الجواب: لا، وإنما المراد أن يُلحَظ معنى الظرفية، وكذلك في التمييز وكذلك في الحال، هنا كذلك، حينئذٍ يُلحَظ معنى اللام وهو الملكية أو الاختصاص، إذن: اشتمال الإضافة المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده والغرض منه الاستعانة بحرف الجرّ على توصيل معنى ما قبلَه إلى ما بعده، كما ذكرناه سابقاً.
فمجرّد ملاحظة معنى اللام هذا يكفي، يعني: تُلاحَظ معنى اللام بين المتضايفين، فإذا ظهرَ تغير الأمر: "غلامُ زيدٍ"، "غلامٌ لزيدٍ"، هل هما سِيّان؟ هذا الذي أنكرَه أبو حيان، هذا دليله، قال: أنتم تقولون على معنى اللام، يلزمُ من ذلك: "غلام زيدٍ" أصله "غلامٌ لزيدٍ"، فحينئذٍ كيف يُسوّى المعرفة بالنكرة، وتقولون: هم سِيان، "غلام زيدٍ" معرفة، و"غلام لزيد" نكرة، فكيف يُسوى هذا بذاك .. هذا باطل، إذن لا نقول بأن الإضافة على معنى اللام، لا نقول: على معنى اللام ولا يقتضي هذا التصريح بها بل مُلاحظتها، ثم لا يُسوّى بين الطرفين من كلِّ وجه، إذا قلنا هذا على معنى: غلام لزيد، لا يلزم منه أن يكون مُساوياً له من كل وجه في التعريف والتنكير، وإنما يُراد به ملاحظة هذه اللام.