فعلى مذهبِ سيبويه والخليل يكون الجار قد حُذِف وأبقي عمله، وهذا مطرد عندهما في مميّز (كم) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجرّ.

إذن: القاعدةُ أنه لا يعملُ الحرفُ محذوفاً، وإنما إذا حُذِف الحرف رجعنا إلى القاعدة السابقة:

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ .. هذا الأصل، وإنما مواضع معدودة في لسان العرب تبقى على عملها بعد حذفها، عدَّ منها الأشموني ثلاثة عشر موضعاً: منها: لفظ الجلالة في القسم دونَ عوض، نحو: اللهِ لأفعلن.

الثاني: بعدَ (كم) الاستفهامية إذا دخلَ عليها حرفُ جرّ: بكم درهمٍ اشتريت، أي: من درهمٍ خلافاً للزجاج في تقديره الجرّ بالإضافة كما سبق.

وكذلك في جواب ما تضمَّنَ مثل المحذوف، لو قال قائل: بمن مررتَ؟ قال: زيدٍ، يصحُّ أو لا؟ يصح؛ لأنهم قالوا: هذا في جواب سؤال.

على كلٍّ؛ أكثر ما يكون في موضعين: الذي هو القسم: اللهِ لأفعلن، ومدخول (كم)، وما عداه من المواضع التي ذكرها الأشموني أكثرُها إما قليل جداً وإما يُنازع فيه، وأما المطّرد فهو في موضعين: لفظُ الجلالة في القسم دون عوض: اللهِ لأفعلن، وبعد (كم) الاستفهامية.

بقي مسألة هنا وهي: أن حروف الجر ثلاثةُ أقسام، كل ما سبق:

الأول: حرفُ الجر الأصلي، وهو ما له معنى خاص، المعاني السابقة: بَعِّضْ وَبَيِّن .. إلى آخره، نقول: هذا له معنى خاص ويحتاج إلى مُتعلَّقٍ مذكورٍ، أو محذوف، أو مذكوراً كان أو محذوفاً، لابد له من مُتعلّق يتعلّق به، وسيأتي بيان المتعلقات.

الثاني: حرفُ جرّ زائد، هذا يمرّ معنا كثير، حرفُ الجر الأصلي: له معنى خاص، ولابد له من مُتعلّق يتعلّقُ به، وهو المراد بقول الناظم:

لاَبُدّ لِلجَارِّ مِن التَّعَلُّقِ ... بِفِعلٍ أَو مَعنَاهُ نَحوَ مُرتَقِي

النوع الثاني: حرفُ الجرّ الزائد، وهو ما ليسَ له معنى خاص، يعني: سُلِبَ منه المعنى الذي وُضِع له في لسان العرب، فتأتي (مِن) لا للتبعيض ولا لبيان الجنس، ولا لابتداء الغاية، مُطلقاً لا تأتي لأي معنى من هذه المعاني: ما ليسَ له معنى خاص، وإنما يُؤتى به لمجرّد التوكيد.

إذن: له معنى آخر، وهو التوكيد، والتوكيد هذا معنى مُشترَك .. انتبه، معنى مُشترك لكل حرف زائد، سواء كان (مِن) أو اللام أو .. أو .. إلى آخره، أيُّ حرف يُزاد فالمراد به التوكيد، فهو معنى مشترك، وليس له مُتعلَّق لا مذكور ولا محذوف.

إذن: حرف الجر الزائد ليس له معنى خاص وليسَ له مُتعلّق لا محذوفا ولا مذكورا.

الثالث: حرفُ الجرّ الشبيه بالزائد، هذا أخذَ من كل قسم شيء، له معنى خاص، وليس له مُتعلّق؛ له معنى خاص أخذه من الأصل، وليس له متعلق أخذَهُ من الزائد، ولذلك قيل: شبيهٌ بالزائد.

وهو ما له معنى خاص، كالحرف الأصلي وليسَ له متعلق كالزائد، فقد أخذَ شَبهاً من الحرف الأصلي وأخذَ شبهاً من الحرف الزائد، ومثاله: لولا، ورُبَّ، ولعل، لولا تأتي لامتناع .. امتناع لوجود، مِثل السابق الذي ذكر: لولاي، قلنا: هذه دخلت على المبتدأ فالياء مُبتدأ، ولولا هل لها مُتعلّق؟ ليس لها متعلّق، هل لها معنى؟ نعم، لها معنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015